مشرط «الطاعة» هو أخطر وأقسى نوع من «الختان»
فى حديثنا عن الختان الذى يمارس ضد الإناث، ننطلق من موقف الرفض لقطع، أو تشويه جزء مهم، أو حتى غير مهم من جسم الإنسان.
إن الختان الجسدى أو البدنى، الذى يتعرض له جنس النساء جريمة وحشية، لا بد أن يتم استئصالها من مجتمعاتنا، ولا بد من تضافر كل أجهزة المجتمع الإعلامية والتنفيذية والتشريعية، فى حملة قومية ضد هذه العادة الهمجية، التى تنتشر تحت اسم الفضيلة وحماية أخلاق المرأة.
لكننا نرى أن الختان الجسدى أو البدنى للمرأة، ليس إلا جزءًا أو حلقة من دائرة أكبر وأخطر وأشد قسوة وألمًا، ألا وهو الختان النفسى والاجتماعى.
فى كل المجتمعات، وعلى عصور متعاقبة، وقعت النساء بدرجات وأشكال متباينة- وما زالت- ضحايا فلسفة عامة، تستهدف قتل قدراتهن وبتر حركتهن باسم الطبيعة أو الأنوثة أو الدين أو التقاليد أو الفضيلة أو صالح الأسرة.
إن قطع أو تشويه جسد المرأة، ما هو إلا الانعكاس الطبيعى لقطع طموحها الفكرى والإبداعى وتشويه وجودها وقيمتها الإنسانية.
ما الفرق بين بتر جزء من الجسم، وبتر إمكانيات التحقيق الذاتى الحر، تحت اسم موروثات جامدة، نخاف المساس بها؟.
إن الفتاة التى حالفها الحظ لظروف ما، وفلتت من الختان البدنى، ما زالت تعيش فى حصار متكامل من القيم وعادات التربية ومفاهيم الأخلاق المزدوجة التى تحد من انطلاقها، وتفرض عليها أدوارًًا محددة. مناخ يعامل المرأة معاملة المتهم، المشكوك فى دوافعه وسلوكه وأخلاقه وقدراته والواجب عليه الدفاع المستمر عن براءته، مناخ يمارس سلطات الرقيب الوصى الجلاد، فى حياة المرأة.
هذا المناخ، يشكل الختان النفسى والاجتماعى، الذى يصيب المرأة منذ رحلة الميلاد، وحتى الموت، إنه ختان أكثر تعقيدًا ودهاءً من الختان الجسدى.
نحن نتساءل عن حال فتاة «مكتملة» الأعضاء، وتعيش فى مجتمع يعتبرها «ناقصة» العقل والقدرات والأهلية والولاية والفضيلة، وفى احتياج دائم إلى «رجل»، ليحمى لها أخلاقها، ويبعد عنها سوء الفهم وسوء السمعة وسوء الحظ وسوء المصير.
نتساءل عن حال زوجة منحها الدستور، حق الاحتفاظ بأعضائها دون قطع، وفى القوانين الرسمية للأحوال الشخصية، هى مطالبة شرعًا «بالطاعة» أمام زوجها، وإلا اعتبرت ضد الدين وضد الطبيعة السوية وضد العرف وضد المجتمع وضد صالح الأسرة.
أليست «الطاعة» أشرس ختان للمرأة؟. ونتساءل: هل يمكن للنساء أن يعشن مع الأزواج حقهن الطبيعى فى الإشباع الجنسى، وهن محرومات من الإشباع الأرقى والأهم والأكثر ديمومة، ألا وهو إشباع وجودهن الإنسانى الحر المتكامل، فى العمل العام والإبداع، بعيدًا عن غرف النوم والمطابخ وحضانات الأطفال؟.
وأليس تناقضًا، حين نتكلم عن ضمان الإشباع الجسدى للمرأة، فى الزواج، وهى تعيش فى مناخ يتهمها بالاستهتار والإباحية والفسق، حين تبادر بالتعبير التلقائى عن أبسط مشاعرها العاطفية الرومانسية، البعيدة عن النصف الأسفل؟.
إن النتيجة الطبيعية للختان النفسى والاجتماعى، هو المرأة الخائفة، من كل شىء حولها. تخاف من التحرر والاستقلال والاختلاف والانطلاق والإحساس بالتحقق الإنسانى الراقى، حتى لو لم تتعرض للختان الجسدى.
إن الختان أساسًا «موقف» نفسى، اجتماعى، متحيز ضد المرأة، وليس مكانًا. وبالتالى يكون قطع أو بتر أو تشويه جزء من جسمها، ليس إلا التعبير المادى، لما هو مستقر أصلًا فى نفوسنا ضد النساء.
إن الختان النفسى والاجتماعى، لا تستأصله قرارات فوقية مفاجئة. إن القضاء عليه، مرهون بتغيير جذرى فى نظرتنا إلى المرأة، ولهذا فنحن نريد رؤية شاملة، متكاملة، لمفهوم «الختان»، نريد تضافر كل أجهزة المجتمع، ومؤسساته الإعلامية، من أجل اقتحام جذور الختان، والربط الدائم بين تشويه الجسم وتشويه النفس، بين قطع أحد أعضاء الجسم وقطع الإنسانية والحلم.
لا بد أن تعى المرأة «المطيعة» التقاليد غير العادلة لزوجها ولذكور العائلة والتفسيرات البالية الذكورية للشرع والأديان، رغم أن المشرط لم يقطع مصدر اللذة الجنسية، إنها أيضا «مختنة»، وأن المشرط الأكبر، الأكثر حدة ودموية، قد شوه وقتل مصدر اللذة الإنسانية. ولا بد أن تدرك المرأة «المختنة» جسديًا، ولكنها ترفض «الطاعة» التى هى عنوان العبيد والجوارى، وتتصرف كما يقتنع عقلها وتفكيرها- أنها كسبت «حريتها»، وأنها «فقدت» لذة مؤقتة أقل أهمية، يقولون إنها اللذة الجنسية.
إنه مشوار وعر، طويل.. لكن المهم أن نبدأ، والآن.