«مهزلة قطرية».. القصة الكاملة لواقعة الفحص القسري للمسافرات بمطار الدوحة
لم يعد من السهل أن يمر عام واحد على قطر دون التورط في فضيحة دبلوماسية أو أزمة سياسية خلفتها الممارسات القطرية الجائرة التي تصل إلى حد الانتهاك الغاشم لحقوق الإنسان، وكان آخرها "مهزلة مطار حمد"، والتي شهدت وقائع فحص قسرية جائرة لـ18 سيدة أثناء سفرهن عبر شركة الخطوط الجوية القطرية، الأمر الذي فجًّر أزمة حرجة بين الإمارة الصغيرة وعددًا من الدول الأوروبية وفي مقدمتها أستراليا.
بداية الأزمة
في 25 أكتوبر الجاري، كشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن الحكومة الأسترالية أبدت "مخاوف جدية" لدى السلطات القطرية، بعد أن صدرت أوامر لنساء على متن طائرة متجهة من الدوحة إلى سيدني بالنزول من الطائرة وخضعن لتفتيش وفحص طبي داخلي أثار استيائهن.
وذكرت الصحيفة في تقريرها عبر موقعها الإلكتروني، أنه كان من المقرر أن تغادر الرحلة المتجهة إلى سيدني، مطار حمد الدولي في الدوحة، الساعة 8.30 يوم الجمعة 2 أكتوبر، لكنها تأخرت لمدة أربع ساعات بعد العثور على رضيع حديث الولادة في المطار.
وأفاد التقرير، بأنه تم العثور على الطفل في المرحاض وكانوا يحاولون معرفة من هي الأم، مضيفًا أن عمليات التفتيش شملت 13 امرأة أسترالية، وتم إجراؤها في سيارة إسعاف على المدرج.
وكان من بين الركاب البالغ عددهم 34 راكبًا، الدكتور وولفجانج بابيك، وقال في حديثه مع "الجارديان" إنه بعد حوالي ثلاث ساعات من الانتظار على متن الطائرة، طلبت شركة الطيران أن تنزل جميع النساء على متن الطائرة، موضحًا أنهم عادوا بعد ذلك بقليل، وكان معظمهن في حالة استياء للغاية، وفقًا لما ذكرته الصحيفة.
غضب أسترالي
وفور الكشف عن الواقعة، قال متحدث باسم وزارة الخارجية والتجارة الأسترالية لصحيفة "The Guardian Australia"، إن الوزارة على علم بالتقارير المتعلقة بمعاملة الركاب في قطر على متن رحلة للخطوط الجوية القطرية إلى سيدني.
وأوضح التقرير، أن الحكومة الأسترالية سجلت رسميًا مخاوفها الجادة بشأن الحادث مع السلطات القطرية، وتم التأكيد على أنه سيتم توفير معلومات مفصلة وشفافة عن الحدث قريبًا.
فيما أكد متحدث باسم الحكومة الفيدرالية الأسترالية أن الحكومة الأسترالية تشعر بقلق بالغ إزاء المعاملة غير المقبولة لبعض الركاب على متن رحلة للخطوط الجوية القطرية مؤخرًا في مطار الدوحة.
وقالت وزيرة الخارجية الأسترالية ماريز باين، إن هجوم السلطات القطرية على الأستراليات فاضح ومثير للقلق بشكل كبير، وأول مرة أسمع به في حياتي، مؤكدة على متابعة التحقيقات في الواقعة الصادمة وأنه أمر لا يمكن السكوت عليه.
كما طالبت عضو مجلس الشيوخ الأسترالي عن حزب العمل "بيني وونج" الحكومة القطرية، بالاعتذار عن المعاملة "الشائنة" التي تعرضت لها المسافرات الأستراليات.
وقالت "وونج" في تصريحات إعلامية نقلتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية: "لقد تعرضت هؤلاء النساء لانتهاك فظيع وهو أمر مروع"، ولا تزال الحكومة الاتحادية تنتظر تقريرًا رسميًا من نظيراتها القطرية.
أول رد قطري
من جانبها، أكدت الخطوط الجوية القطرية: "نحن نقدر المخاوف والضيق الذي أعرب عنه كل المسافرين الأستراليين الذين تحدثت إليهم، وسوف نحقق في هذه الأمور مع السلطات والمسئولين المعنيين".
وردًا على الانتقادات الحادة التي تم توجيهها إلى الدوحة، قالت السلطات القطرية في بيانها الأربعاء الماضي: "عُثر في الثاني من أكتوبر الجاري على طفلة حديثة الولادة داخل كيس بلاستيك مربوط تم وضعه تحت القمامة في سلة للمهملات داخل مطار حمد الدولي. وتم إنقاذ حياة الطفلة مما بدا أنه محاولة لقتلها، حيث تم توفير الرعاية الطبية لها هنا في الدوحة وهي تتمتع الآن بحالة صحية جيدة".
وأضافت: "تعد هذه الحادثة الأولى من نوعها في مطار حمد الدولي، وإذ تؤكد دولة قطر أن الإجراءات التي تم اتخاذها على وجه السرعة - مع بعض المسافرين المتواجدين وقت كشف تلك الجريمة المروعة- كان الهدف منها الحيلولة دون فرار الجناة والمتورطين فيها ومغادرتهم الدولة، فإنها تعبر عن أسفها إزاء أي مضايقات أو مساس غير مقصود بالحرية الشخصية لأي مسافر ربما تكون قد وقعت أثناء مباشرة هذه الإجراءات".
مقاطعة الخطوط القطرية
من جانبها، كشف وسائل إعلام أسترالية، أن اتحاد عمال النقل الأسترالي، يدرس مقاطعة الخطوط الجوية القطرية، بسبب ما تعرضت له المسافرات الأستراليات في مطار الدوحة، وفقًا لما ذكره موقع "Walcha news" الأسترالي.
وقال أمين عام الاتحاد "ريتشارد أولسن": "يجب على قطر وشركة الطيران التابعة لها مواجهة حقيقة حدوث انتهاك لحقوق الإنسان"، مضيفًا: "على قطر أن تحل هذه المشكلة التي أوجدوها وإلا ستواجه الضجة الغاضبة من أعضاء النقابات".
وأوضح التقرير أن فرع اتحاد "نيو ساوث ويلز" سينظر في اتخاذ إجراءات صارمة ضد شركة الطيران القطرية، بما في ذلك حظر خدمات الصيانة والتنظيف أو التزود بالوقود لطائرات الخطوط الجوية القطرية التي تطير إلى مطار سيدني.
ووفقًا لما ذكره موقع "هاف بوست أستراليا"، قالت العديد من الأستراليات العالقات في الخارج، إنهن إما ألغين حجوزاتهن مع الخطوط الجوية القطرية، أو حجزن عمدًا على شركة طيران بديلة أو أنهن لن يسافرن مع شركة الطيران القطرية في المستقبل تضامنًا مع النساء اللواتي تقول منظمة العفو الدولية إنهن عانين من انتهاك حقوق الإنسان.
كارثة قبل المونديال
وفي سياق متصل، قال خبراء مراقبون للأوضاع في قطر، إن الواقعة قد تسيء إلى مساعي الدولة الخليجية الصغيرة لتحسين صورتها قبل استضافتها كأس العالم 2022، وفقا ليورونيوز.
وأوضح تقرير يورونيوز أن الواقعة تمثل انتكاسة للدوحة التي عملت جاهدة على تعزيز قوتها الناعمة واستثمرت مبالغ طائلة في شركة الخطوط الجوية القطرية وقناة "الجزيرة" ومشاريع اجتماعية حول صحة النساء ومبادرات التعليم عبر "مؤسسة قطر".
من جهته، أكد الكاتب الأسترالي "دانيال فليتون"، أنه يجب على الحكومة الأسترالية أن تدعم تعبيرها عن "القلق الشديد" ببعض الإجراءات الجادة، مشيرًا إلى أن التهديد بالمطالبة بتغيير استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر لا يبدو بعيدًا.
وفي السياق، تساءلت المضيفة "أليسون لانغدون" عما إذا كان ينبغي للحكومة الأسترالية أن تثني مواطنيها عن السفر لحضور فعاليات كأس العالم لكرة القدم 2022 المقرر إقامتها في قطر.
وتعليقًا على ذلك، قالت عضو مجلس الشيوخ الاسترالي "بيني وونغ": "ما يجب أن يفعله وزير الخارجية هو ضمان سلامة الأستراليين الذين يسافرون للمشاركة في كأس العالم لأنه لا ينبغي لأي أسترالي - لا أحد على الإطلاق - أن يعامل بالطريقة التي عوملت بها هؤلاء النساء".
طرد السفير القطري
كما دعا الكاتب الأسترالي "دانيال فليتون"، إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد قطر، بعدما وصف ما تعرضت له 18 سيدة أسترالية في مطار الدوحة، بـ"الفضيحة".
وقال "فليتون" في مقاله المنشور عبر موقع مجلة "interpreter the": "ينبغي أن يكون سفير قطر في كانبرا مستعدًا للعودة إلى بلاده في غضون مهلة قصيرة"، مضيفًا أنه إذا كان يريد استخدام الخطوط الجوية القطرية، فلا بأس، ولكن عليه إخبار الطيار أنه نتيجة للواقعة الفظيعة التي حدثت مع المسافرات فى مطار الدوحة الدولي، فإن شركة الطيران القطرية لن تكون موضع ترحيب في سماء أستراليا.
وأوضح "فليتون"، أنه ينبغي على الأقل، استدعاء سفير أستراليا في الدوحة "جوناثان موير"، للتشاور، مؤكدًا أن طرد سفير قطر في كانبرا، سعد الشريف، سيكون تصعيدًا إضافيًا ويجب أن يكون مطروحًا على الطاولة، لا سيما إذا لم يرد "التحقيق الشفاف في الحادث" الذي وعدت به قطر على الفور وعرض اعتذار هادف وتعويض مناسب للمرأة.
"رفض دعوة عشاء"
وفي السياق، رفض عدد من النواب الأستراليين دعوة عشاء وجهتها لهم سفارة قطر في كانبيرا بأستراليا، على خلفية حادثة مطار حمد الدولي في الدوحة و"المعاملة غير اللائقة" لمسافرات أستراليات، حسبما أفادت شبكة "CNN" الأمريكية.
وذكرت الشبكة في تقرير لها عبر موقعها الإلكتروني، أنه في 19 أكتوبر الجاري، تلقى 19 نائبًا أستراليًا من لجنة الأمن والاستخبارات البرلمانية، دعوة لعشاء رسمي في السفارة القطرية بتاريخ 9 من نوفمبر المقبل، وفقا لبيان صادر عن النائب أندرو هاستي رئيس اللجنة ونائبه أندرو باين.
وقال النواب في البيان: "نظرًا لسوء معاملة النساء الأستراليات في مطار الدوحة، نرفض هذه الدعوة".
شكوى بريطانية
لم تقتصر الأزمة على مسافرات أستراليات فحسب، بل أكدت السلطات البريطانية أن امرأتين بريطانيتين كانتا ضمن مجموعة من المسافرات اللاتي خضعن لفحوصات طبية جائرة أثناء سفرهن عبر شركة الخطوط الجوية القطرية في أوائل أكتوبر الجاري.
وذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن دبلوماسيين بريطانيين تقدموا بشكوى رسمية إلى السلطات القطرية والخطوط الجوية القطرية فيما يخص الواقعة التي وُصِفت بأنها "مرعبة للغاية"، كما طالبوا التعهد بعدم تكرارها.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية، في بيانه: "نقدم الدعم المستمر لامرأتين بريطانيتين في أعقاب حادث مطار الدوحة.. لقد أعربنا رسميًا عن قلقنا إلى السلطات القطرية والخطوط الجوية القطرية، ونسعى للحصول على تأكيدات أن حادثًا غير مقبول مثل هذا لا يمكن أن يحدث مرة أخرى".
ضحية نيوزيلندية
وعلى ذات المنوال، كشفت نيوزيلندا أن إحدى مواطنيها كانت من بين النساء اللاتي خضعن للفحوصات الطبية الجائرة في مطار الدوحة، واصفة الإجراء بأنه "غير مقبول على الإطلاق"، حسبما أفادت "الجارديان".
وقالت وزارة خارجية نيوزيلندا، في بيان نقلته الصحيفة البريطانية: "كنا قلقين للغاية لمعرفة أن مواطنة نيوزيلندية تعرضت للحادث المروع الذي تعرضت له مسافرات على عدة رحلات للخطوط الجوية القطرية".
وأضاف البيان: "كان هذا العمل غير مقبول على الإطلاق.. نحن أبلغنا السلطات القطرية بوجهة نظرنا، ونسعى للحصول على تقرير كامل عما حدث".
ولم يقدم بيان وزارة الخارجية أي تفاصيل عن المرأة النيوزيلندية التي تعرضت للحادث، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق بالحفاظ على الخصوصية.
وبينما أعربت قطر عن أسفها لأي قلق بشأن الحادث، ترجح المصادر أن الضالعين فيه قد يواجهون محاكمة جنائية، حسبما أفادت "الجارديان" البريطانية.
اعتراف قطري
ومع تزايد موجة الغضب الأوروبية والدولية، أقرت قطر بالتجاوزات الأخيرة فيما يخص عملية الفحص القسري ضد المسافرات عبر الخطوط الجوية القطرية، وأعلنت السلطات القطرية، إحالة المتورطين بتعرية المسافرات وإخضاعهن لكشف مهين، إلى النيابة العامة.
اعتذار رسمي
وفي محاولة لحفظ ماء وجهها بعد تلك الواقعة المشينة التي تورطت فيها الدوحة، قال رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القطري خالد بن خليفة آل ثاني، في تغريدة عبر صفحته الرسمية بموقع "تويتر": "نأسف لما حدث لأخواتنا اللاتي تعرضن لمعاملة مرفوضة في مطار حمد الدولي، والتي لم نعرفها سابقا ولا نقبل بها أبدًا، وأؤكد أننا في دولة قطر حريصون على محاسبة المسئولين عن هذا التصرف الذي لا يمثل قوانين الدولة ومبادئها وسنتخذ جميع الإجراءات لمنع تكرار مثل هذا التصرف".
بدوره، أجرى وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اتصالًا هاتفيًا مع نظيرته الأسترالية، ماريس باين، لمناقشة حادثة مطار حمد الدولي.
وقالت وزارة الخارجية القطرية في بيانها، السبت، إن الوزير القطري أعرب عن تعاطفه العميق مع المسافرات المتأثرات بالتفتيش في المطار، وجدد اعتذار قطر لهن، موضحًا أن الحادثة تعد انتهاكًا لقوانين وقيم دولة قطر، وأنه تم إحالة المسؤولين المعنيين إلى النيابة العامة.
وقالت الوزيرة الاسترالية إنها تتطلع إلى مشاركة دولة قطر لتقريرها حول ملابسات الموضوع، ودعت "باين" الحكومة القطرية لمحاسبة المسؤولين المعنيين بطريقة عادلة ومنصفة.
أصداء دولية
وأثار اعتذار الحكومة القطرية عن واقعة الفحص القسري لسيدات المطار، أصداءً عالمية واسعة، حيث سلطت الصحف الدولية الضوء على البيان القطري بشأن النتائج الأولية للتحقيقات، الذي أقرت فيه الدوحة بالتجاوز في حق المسافرات.
فيما اعتبرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، أن هذا الإجراء بمثابة "صدمة للعالم" ويدفع إلى تسليط الضوء على قطر وموقفها تجاه النساء قبل عامين من موعد استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022.
وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، إن قرار الحكومة القطرية يأتي في أعقاب غضب دولي واسع النطاق، وبعد شكاوى دبلوماسية رسمية من ثلاث دول على الأقل تضرر مواطنوها من الواقعة.
وذكرت صحيفة "كانبرات تايمز"، إن الاعتذار القطري يأتي بعد أن أعربت الحكومة الأسترالية عن غضبها وهدد اتحاد عمال النقل الأسترالي، بعدم تقديم أي خدمات لطائرات الخطوط الجوية القطرية في سيدني بسبب الحادث.
وفي السياق، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن البيان القطري كشف عن إحالة المسئولين عن هذه الانتهاكات والأعمال غير القانونية إلى النيابة العامة، لكنه لم يحدد عدد المتهمين أو الدور الذي لعبوه.
ومن جهتها، أشارت شبكة "أي بي سي" الأمريكية، إلى أن حادثة المسافرات الأستراليات، تكشف معاملة المرأة والتفاوت بين الجنسين والقمع والضغوط التي تتعرّض لها النساء في قطر.