خيار الضرورة .. مفاوضات ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان سياسية أم عسكرية؟
اجتمع مسئولون إسرائيليون ولبنانيون صباح اليوم الأربعاء لإجراء مفاوضات غير مباشرة حول الحدود البحرية برعاية أمريكية، ومع ذلك، شدد الطرفان على أن المحادثات تهدف فقط إلى حل نزاع جار منذ عقد من الزمان حول التحديد الدقيق للمياه الإقليمية لكل منهما، ولا تنذر بمفاوضات سلام أو عملية تطبيع.
بدأت المحادثات، التي تستضيفها الأمم المتحدة بوساطة الولايات المتحدة، الساعة العاشرة صباحًا بالتوقيت المحلي في خيمة مفتوحة كبيرة في مقر قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الناقورة، على بعد حوالي 200 متر شمال الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
حسب التقارير، فإن الأمر استغرق ثلاث سنوات للتوصل إلى هذه اللحظة؛ هذه الفترة لم تكن لأن الطرفين لم يريدا التوصل إلى تسوية، بل بسبب التفاصيل الصغيرة التي عرقلته. تهدف المفاوضات إلى تغطية منطقة متنازع عليها تبلغ مساحتها 330 ميلًا مربعًا (860 كيلومترًا مربعًا)، والتي تمتد عبر منطقة الحدود البحرية بينهما في شرق البحر المتوسط، الغني بحقول الغاز الطبيعي، حيث يدعي كلا البلدين أن المنطقة المعنية تقع ضمن "منطقتهما الاقتصادية الخالصة" و"الجرف القاري"، وهما منطقتان نظريتان بطول 200 ميل بحري قبالة سواحلهما وفيهما، وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 (UNCLOS)، تتمتع الدول الساحلية بحقوق حصرية لاستغلال الموارد الطبيعية والاستفادة منها.
تقارير متضاربة تحدثت عن شكل المباحثات، فبينما تحدث حزب الله عن أن المفاوضات بحرية فقط وليست برية، تحدث نبيه بري، رئيس المجلس النيابي في لبنان الذي قاد المحادثات مع الأمريكيين، أن ترسيم الحدود البحرية والبرية سيجريان في آن معاً.
إسرائيل من جانبها تتبدي اهتمامًا واضحًا بالحدود البحرية، فبالنسبة إليها جرى ترسيم الحدود البرية من جانب الأمم المتحدة إثر الحرب والتي انتهت بوضع قوات اليونيفيل على الحدود.
بالاستناد إلى التقارير، المحادثات بشأن الحدود البرية، فإذا حدثت، ستجري بين ثلاثة أطراف: إسرائيل، ولبنان، واليونيفيل، بينما النقاشات بشأن الحدود البحرية ستجري برعاية الأمم المتحدة، وبوساطة أمريكية فعالة.
مباحثات دون تطبيع أو وقف العقوبات
حسب تصريحات الجانبين، فإن الاتفاق لا علاقة له بتطبيع العلاقات بين إسرائيل ولبنان، كما أنه لن يوقف العقوبات الأمريكية ضد حزب الله، الحديث يدور على محادثات ذات طابع عسكري لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة، الذي سيصب في مصلحة لبنان وإسرائيل معاً.
وكما يبدو أن موقف الولايات المتحدة من حزب الله متناقض، فلا تزال واشنطن تطالب بإبعاد الحزب عن كل موقع له تأثير سياسي، ولكنها في الوقت نفسه تقبل بالتفاوض مع الحكومة اللبنانية بشأن ترسيم الحدود والتي يعتبر حزب الله جزءا منها.
هذا التناقض يطال حزب الله أيضاً الذي لايعارض اليوم المفاوضات مع إسرائيل، ولكن الجواب معروف وهو "المصلحة اللبنانية"، فلا يريد الحزب أن يتم اتهامه بأنه يعرقل خطوة قد تفيد الاقتصاد اللبناني المتضرر بشدة حالياً.
تاريخ المفاوضات الإسرائيلية - اللبنانينة
هذه ليست المرة الأولى التي يجلس فيها لبنان وإسرائيل للتفاوض، ففي عام 1949 وقعا اتفاق الهدنة بمشاركة "كولونيل أمريكي"، وهناك "تفاهمات نيسان" والتي كانت اتفاقا مكتوبا غير رسمي وُقِّع بين إسرائيل وحزب الله بعد عملية "عناقيد الغضب" في سنة 1996، وتضمّن وقفًا كاملاً لإطلاق النار. وكذلك القرار 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية. وهو ما يعني أننا لسنا أمام حديث غير مسبوق.
يتحدث الجانبنا أن المفاوضات تقنية عسكرية ولكن بالنظر إلى المفاوضين على الأقل من الجانب الإسرائيلي فإن أغلبهم من السياسيين، مثل أودي أديري، مدير عام وزارة الطاقة، وسيرافقه رئيس مكتب وزير الطاقة يوفال شتاينتس، مور حالوتس، ومستشار الوزير للشئون الدولية أفيف عياش، وسيحضر المحادثات أيضًا نائب مستشار الأمن القومي رؤوفين عازار، ونائب مدير عام وزارة الخارجية للأمم المتحدة والمنظمات الدولية ألون بار، كما سيحضر المحادثات البريجادير جنرال أورين ستير، رئيس الشعبة الاستراتيجية في الجيش الإسرائيلي.
بينما من الجانب الللبناني يشارك ممثلون للجيش، بينهم نائب رئيس الأركان في الجيش لشئون العمليات العميد الطيار بسام ياسين، والعقيد الركن البحري مازن بصبوص، والخبير في مسائل المفاوضات على الحدود نجيب مسيحي، وكذلك رئيس هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط. وسيرأس الاجتماع مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدنى ديفيد شنكر. فهل تنصب إسرائيل فخًا للبنان وتريد أن تحرف المفاوضات إلى مباحثات سياسية لتحقيق مكسب أكبر من ترسيم الحدود البحرية ؟
رغم التفاهمات .. توقعات بعملية لحزب الله
لا يزال التوتر بين إسرائيل وحزب الله الذي بدأ منذ شهر يوليو الماضي مستمرًا، رغم القرار بإجراء مفاوضات لترسيم الحدود البحرية، إلا أن الجيش الاسرائيلى لا يزال يعتقد أن المواجهة مع حزب الله أقرب من أي وقت مضى.
التوتر بين إسرائيل ولبنان بدأ بعد مقتل ناشط لحزب الله في عملية منسوبة لإسرائيل بالقرب من مطار دمشق والتي دفعت حزب الله بالإصرار على القيام بعملية رد عليها، وفي أعقاب ذلك رفع الجيش الإسرائيلي حالة التأهب الأمني على طول الحدود الشمالية، وفشل حزب الله مرتين في محاولته تنفيذ عملية ضد الجيش الإسرائيلي.
وأفادت تقارير عبرية أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن نصر الله يريد قتل جندي إسرائيلي، وأنه لن يتراجع عن ذلك، وخلال الأسابيع الأخيرة، رصد الجيش الإسرائيلي حركة غير عادية لنشطاء حزب الله بالقرب من الحدود الإسرائيلية.