الإخوان والبرلمان
جميعنا يتابع هذه الأيام ذلك الصراع المحموم لخوض انتخابات مجلس النواب القادم، سواء فيما بين القوائم التى تنظمها بعض الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، أو على المقاعد الفردية التى تخوض غمارها أعداد كبيرة ممن وجدوا فى أنفسهم القدرة على الفوز بها، والاستعداد للقيام بدورهم المنوط إليهم تحت قبة المجلس، سواء فيما يتعلق بالرقابة والتشريع، أو بتقديم الخدمات وتلبية طلبات الناخبين التى يتقدمون بها إليهم مقابل منحهم أصواتهم فى تلك الانتخابات.
وجميعنا أيضًا يتابع تلك الأساليب والوسائل التى يقدم بها هؤلاء المرشحون أنفسهم للناخبين، والتى تنوعت واختلفت من محافظة إلى أخرى، ومن دائرة إلى نظيرتها فى المراكز والمدن المختلفة، وكل وسيلة منها تحاكى بيئة الدائرة الانتخابية من ناحية الثقافة أو الوضع الاجتماعى أو الاحتياج والدعم المالى.
ونحن هنا لن نتناول برامج أو أشخاص السادة المرشحين فى تلك الانتخابات أو أهليتهم لتمثيل دوائرهم وإمكاناتهم المجتمعية والسياسية للقيام بدورهم المأمول منهم فى البرلمان، فهذا الأمر متروك أولًا وأخيرًا للناخبين من أبناء الشعب المصرى، الذين لا أشك نهائيًا فى أنهم قد وصلوا إلى درجة من الوعى والنضج تؤهلهم إلى حسن الاختيار، أو على الأقل إلى اختيار من يرونه مناسبًا للقيام بالدور الذى يطلبونه منه سواء فى العمل الخدمى أو التشريعى، وإن كنت أعتقد أن العمل الخدمى والمجتمعى هو الذى يهم ذلك المواطن المصرى فى المقام الأول، ويأتى بعد ذلك أى عمل أو مجهود آخر يقوم به السيد النائب الذى سوف يتم اختياره.
ولكننى سوف أتناول هنا جانبًا مهمًا من تلك العملية الانتخابية وهو ذلك الذى يتعلق بالأشخاص الداعمين لبعض المرشحين فى دوائرهم الانتخابية أو الأشخاص الذين يسعون إلى الدفع بمرشح يكون تابعًا لهم ولتوجهاتهم وأهدافهم، سواء كانت تتعلق بتحقيق مكاسب مادية أو لوجستية أو إدارية... إلخ.
وإلى هذا الحد من الممكن أن نتجاوز عن ذلك طالما هى أهداف مشروعة، ولن تكون لها تأثيرات سلبية على جموع الناخبين، وطالما تمكن المرشح المنتخب من التوفيق بين مصالح هؤلاء وهؤلاء، إلا أن الحذر وكل الحذر أن يكون من بين الداعمين أى من العناصر الإخوانية أو التى تتعاطف مع جماعة الإخوان الإرهابية أو من يمثلون الجيل الثالث والرابع منهم،أو من الخلايا النائمة التى لن تألو جهدًا فى محاولة إيجاد تواجد لهم على الساحة السياسية حتى ولو كان مستترًا وغير ظاهر، فالمهم بالنسبة لهم أن يبعثوا رسالة لرجل الشارع أو الفلاح البسيط بأنهم ما زالوا متواجدين ويستطيعون أن يؤثروا على نتيجة الانتخابات، حتى ولو كان ذلك من خلال عدد محدود من المرشحين، وأزعم أن هناك بالفعل بعض الذين أقصدهم سواء كانوا من المتعاطفين مع الجماعة أو من يختبئون خلف الأستار حتى ينجح مرشحهم على أمل أن يحقق لهم بعض مصالحهم أو أهدافهم.
لقد علمتنا تجربتنا فى العمل الأمنى السياسى أن جماعة الإخوان تتمتع بخبرات كبيرة فى الانتخابات، سواء من حيث الدعم المالى أو الحشد الجماهيرى أو تقديم المعونات العينية والغذائية، وهم أول من اخترعوا عبوات الزيت والسكر لتقديمها إلى الناخبين فى محال إقامتهم أو أمام اللجان الانتخابية، ومن هنا فإن لجوء بعض المرشحين لهم أمر وارد، خاصة فى بعض المحافظات التى تأوى عناصرهم وخلاياهم النائمة.
وعلى الرغم من قناعتى بأن الأجهزة الأمنية، وقبلها وعى الشعب المصرى، قادرة على وأد تلك المحاولات، فإن هذا لا يعنى أنها سوف تستسلم بسهولة لذلك بل إنه من المحتمل- وهذا وارد جدًا- اللجوء إلى بعض الشخصيات التى لا تنتمى إلى الجماعة تنظيميًا ولكن تربطهم ببعض كوادرها النائمة مصالح شخصية أو تجارية أو حتى روابط مصاهرة أو نسب وغير معروفين لأجهزة الأمن، والدفع بهم ومساندتهم فى العملية الانتخابية حتى يعودوا إلى المشهد السياسى مرة أخرى، وهذه هى طريقتها التى اعتادت عليها منذ سنوات طويلة.
لقد كانت جريدتنا- الدستور- سباقة إلى التنبيه لتلك المحاولات إبان انتخابات النقابات العمالية، ونجحت حملتها إلى حد كبير فى كشف مخطط جماعة الإخوان للسيطرة على مفاصل تلك النقابات.
واليوم تواصل رسالة التنوير والتنبيه والتوعية إلى ضرورة كشف تلك المحاولات أولًا بأول من خلال توعية المواطنين، بل والمرشحين أيضًا، لعدم الوقوع فى براثن سيطرة تلك العناصر بحسن نية، وكذلك أن تتخذ الأجهزة الأمنية أقصى درجات الحذر وعدم السماح لمحاولات التغلغل داخل العملية الانتخابية وعدم الاستهانة أو الاكتراث بتلك المحاولات، لأن ذلك منهاج عمل واقتناع هم يؤمنون به طالما عقدوا البيعة بالولاء للجماعة والعمل على محاولات إحيائها مهما كلفهم الأمر من تضحيات.
تلك رسالتنا لشعبنا العظيم ولأجهزة أمننا المختلفة، كونوا على استعداد كامل لمواجهة تلك المحاولات وإجهاضها أولًا بأول حتى يتسنى لنا أن يكون هناك برلمان وطنى خالص من أى تأثيرات مناهضة للدولة يسعى جميع أعضائها للعمل على رفعة شأن الوطن والحفاظ عليه من محاولات النيل من استقراره وسلامته.
وتحيا مصر.