الشبح الأبيض.. نبوءة كاميليا لرشدى أباظة:" ستفهم حين تسمع خبر وفاتى"
كانت الفنانة كاميليا تعلم أنها ستموت صغيرة، وذلك حسبما روى الفنان رشدي أباظة في حكاياته عنها لمجلة الشبكة، يقول الأخير: ذات ليلة عدنا من سهرة في "حلمية بالاس"، وصعدت مع كاميليا إلى بيتها، فوجدتها قد فرشت غرفة نومها بالملاءات السوداء، فسألتها فقالت إن الأسود هو لون الحزن، ألا يستحق شبابنا أن نحزن عليه قبل فوات الأوان.
وتابع رشدي:" قلت لها لم أفهم"، فقالت:" نحن نمشي في أكفاننا ويجب أن نحترم هذه الحقيقة"، فصحت بها:" ما هذا التخريف؟"، فردت: الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل التشكيك، ميلادنا يقبل التشكيك في جزئية من صلب من نحن، حبنا يقبل الظنون عن سؤال "هل هذا هو الحب المخلص"، أيامنا ومستقبلنا كلها لا نعرفها، ولا نعلمها علم اليقين، الموت وحده نعلم أنه نهاية الطريق.
يكمل رشدي:" ما هذا الذي تقوله كاميليا، من قبل قالت إنها ستموت قصيرة العمر، فهل تحمل هوية فيها تاريخ الميلاد والوفاة؟، وقبلتها ونشرت حول جسدها ذراعي وكأنني أحميها من مخاوفها، وأحرسها من الموت الذي تخاف منه، وراحت في النوم بعد دقائق، وأنا أيضًا، وبعد وقت قمت مفزوعًا على صوت صراخها، وهدهدتها وطمأنتها وحملت إليها كوب ماء، فهدأت قليلًا، وقالت:" جاء الشبح يناديني"، فسألتها :"أي شبح؟"، أجابت والفزع في عينيها وكأنه يمشي في الغرفة أمامها وتراه ولا أراه:" شبح أبيض يقتحم علي نومي ويناديني"، قلت لها:" لماذا يناديك؟"، فقالت: لكي أتبعه، منذ عام وهو يزورني، ألم أقل إنني تذكرته ونحن عائدان من "حلمية بالاس"، قلت:" هذه أوهام، هذا كابوس، هذا تخريف، فقالت وهي توسد رأسها على صدري:" لن تفهمني إلا إذا سمعت خبر وفاتي".
واستدرك أباظة:" وتركت كاميليا وذهبت إلى إيطاليا بسبب مؤامرة أعدها ببراعة كل من عمي عثمان أباظة ووالدتي، وهناك قابلت سامية جمال لأول مرة، وهناك تلقيت الخطاب الوحيد من كاميليا، كانت تقول فيه إنها سوف تطير إلى سويسرا لتجري فحوصًا على صدرها، وتعرج إلى إيطاليا لنتزوج، ونعود إلى مصر سويًا، قرأت خطابها عدة مرات ولم أجد فيه تحديدًا لرحلتها المرتقبة.
جاءتني بعدها كاميليا في منامي وهي تقول متوسلة:" لا تقتلني"، وكنت لا أكاد أهم بكلمة حتى تختفي، واستعدت صورتها وأنا أتابع "اليسندريني" مخرج فيلم "أمينة" والذي لعبت بطولته في مصر بعد فيلم "المليونيرة الصغيرة"، والذي وجدته بالصدفة يسكن الغرفة التي بجواري في فندق "الاكسلسيور"، وهو يتحدث في التليفون وتناولنا طعام الإفطار وأنا سارح مع وجه كاميليا، وجهها المتقلص من الألم، وكلمتها التي مزقت قلبي"لا تقتلني".
وفي النهاية قال أباظة:" كان "اليسندريني" يفرز الصحف ليحمل بعضها إلى الحمام حين لمحته يخفي الصحيفة تحت اللحاف، وكان من عادتي أن أعود بعد الإفطار إلى غرفتي وأرتدي ثيابي، أما هذا اليوم فقد ذهبت إلى غرفتي، وبعد دقائق سمعت صوت الماء في حمام "اليسندريني"، فمشيت على أطراف أصابعي ومضيت إلى اللحاف ورفعته لآخذ الصحيفة التي أخفاها عني، ونشرتها بين يدي ومادت الأرض بين قدمي فقد كان أحد عناوينها الرئيسية "مصرع كاميليا في حادث طائرة"، لم أقرأ التفاصيل، علقت عيناي بزجاجة ويسكي على طاولة في الغرفة فاتجهت إليها وشربتها حتى آخر قطرة، وتهاويت على الأرض، وخرج اليسندريني فوجدني هكذا، الصحيفة أمامي مبعثرة، ورأسي وقد سقط على السجادة والدموع في عيني متحجرة، كان هذا صباح 3 سبتمبر 1949.