ثورة 23 يوليو فى عيون بريطانية
كثيرة هى الكتابات التى تناولت ثورة ٢٣ يوليو وزعيمها جمال عبدالناصر، فضلًا عن تأثيرها على مجريات الأمور، ليس فقط فى مصر ولكن فى الشرق الأوسط على وجه العموم.
ومن الكتابات المهمة فى هذا الشأن ما ذكره البريطانى ريمون فلاور فى كتابه المثير «مصر من قدوم نابليون حتى رحيل عبدالناصر»، وواضح أن الرجل يؤمن بأهمية ودور «الأبطال» فى صناعة التاريخ- مع التحفظ حول ذلك الأمر- لذلك عَنوَنَ كتابه على النحو الذى ذكرناه، إذ بدأ قصة مصر الحديثة بنابليون وأنهاها برحيل ناصر.
وريمون فلاور نفسه شخصية تستحق الدراسة فى حد ذاته، فهو البريطانى الذى ولد فى مصر وعاش فيها، رغم رحيله للدراسة الجامعية فى أكسفورد، إلا أنه عاد إليها من جديد، إذ ارتبط مصير أسرته بمصر وبالعمل فيها، وربما استمر فيها إلى ما بعد قيام ثورة يوليو.
ما يهمنا هنا هو نظرته وتقييمه لثورة يوليو، وفى الحقيقة يولى فلاور اهتمامًا كبيرًا بشخصية عبدالناصر وتأثيره على مجريات الأحداث، ويختتم فلاور الفصل الخاص بنهاية عصر فاروق، قائلًا: «لم يكن ذلك مجرد نهاية لحكم الأسرة التى أسسها محمد على فحسب، بل كان بمثابة إسدال الستار على حقبة كاملة من تاريخ مصر».
ومن المثير الالتفات إلى عناوين الفصول التى خصصها فلاور للحديث عن ثورة ٢٣ يوليو، أو فى الحقيقة للحديث عن ناصر، يُعنون فلاور الفصل الأول للثورة بعنوان مثير «من البكباشية إلى رئاسة الجمهورية»، والمقصود بالبكباشية هنا هى الرتبة العسكرية لناصر فى مطلع الثورة «بكباشى» أى مقدم، ويتتبع علاقته بمحمد نجيب الذى أطلق عليه «الجنرال الطيب»، وكيف عزل ناصر نجيب وانفرد بالحكم.
والفصل الثانى تحت عنوان «الحياد الإيجابى»، تحدث عن سياسة يوليو تجاه الحرب الباردة ومؤتمر باندونج ومحاولة البحث عن طريق ثالث بعيدًا عن الأحلاف العسكرية.
ويُعنون الفصل التالى بعنوان أكثر إثارة «صفعة مقابل صفعة»، متحدثًا فيه عن صراع ناصر مع أمريكا والبنك الدولى لتمويل مشروع السد، ورفض البنك والغرب بشكل عام، ورد ناصر بتأميم قناة السويس.
وتحت عنوان «رد الفعل الثلاثى»، يتناول فلاور أحداث حرب السويس، أو العدوان الثلاثى ١٩٥٦.
ويخصص فلاور فصلًا لتجربة مهمة على المستوى العربى، هى تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، ولذلك يختار لهذا الفصل عنوان «قيام الجمهورية العربية المتحدة»، ولا يكتفى بذلك، بل يخصص الفصل التالى لتأثير ناصر فى المجال العربى تحت عنوان «مايسترو العالم العربى».
ثم يتتبع فلاور- وفقًا لوجهة نظره- مراحل انهيار تجربة ناصر ومشروعه فى الفصل المُعنوَن بـ«سبعون ساعة فى قيظ يونيو»، ويقصد بذلك هزيمة يونيو ١٩٦٧.
ويرصد فلاور فى الفصل قبل الأخير جهود ناصر فى إعادة بناء الجيش والدولة وإزالة آثار العدوان، تحت عنوان «آلام إعادة البناء».
ويكون عنوان الفصل الأخير هو الأكثر إثارة «رحيل الفرعون»، حيث يتناول وفاة ناصر وتداعياتها على الشعب المصرى وعلى المنطقة، والمتغيرات التى أعقبت ذلك. ويُنهى فلاور حديثه عن ناصر بتقييم حاد، وربما ينبع من وجهة نظر غربية:
«لقد بنى ناصر مصر الحديثة لكنه فى النهاية هو الذى دمرها. لقد انتزع استقلال بلاده من براثن بريطانيا، غير أنه سلم هذا الاستقلال طواعية إلى روسيا.. لقد جعل المصريين يفخرون بأنهم مصريون، لكنه قادهم إلى حرب فاشلة فى اليمن، وتسبب فى هزيمتهم على أيدى الإسرائيليين».