ما بين الحرب والسلام
لاشك ان القيادة السياسية المصرية ترصد بكل دقة واهتمام كافة الاحداث والمتغيرات التى يشهدها مثلث الاحداث الذى يحيط بالدولة المصرية سواء فيما يتعلق بالتدخل التركى فى ليبيا او بالموقف الاثيوبى المتعنت فى قضية سد النهضة وايضاً الدور الاسرائيلى الخفى فى المنطقة.
ولاشك ان كل محور من هذه المحاور يشكل اهمية خاصة ويفرض استراتيجية مختلفة فى التعامل معه وذلك لان جميع المعطيات يتم طرحها اولاً بأول على القيادة وبالتالى فإن كل كلمة او موقف يتم اتخاذه يكون بناء على معلومات موثقة ومحددة ولذلك فإننا لو ركزنا فى تصريحات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى الاخيرة فى لقائه مع مجلس اعيان ومشايخ ليبيا لوجدنا انه قد اختار كل كلمة بعناية فائقة ووفقاً لمعايير محسوبة بكل دقة دون تهوين او تهويل ودون تقديم وعود او كلمات رنانة يخاطب بها الشعب الليبى او المصرى.
ولعل من ابرز ما تم رصده خلال الايام القليلة الماضية ذلك التقارب المعلن بين مشروع التركى والاثيوبى برعاية اسرائيلية حيث تمت عدة زيارات بين مسئولين من البلدين وضح خلالها ان الاتراك تسعى لفرض سيطرتها على الجانب الاكبر من القارة الافريقية حيث بلغ عدد سفارتها فى دول القارة الى 41 سفارة من اهمها حالياً اثيوبيا حيث نجحت بالفعل فى رفع مستويات اختراقها بتوقيع العديد من اتفاقيات التعاون المشترك فى شتى المجالات خاصة العسكرى والاستراتيجى حيث تقدم لها حالياً الدعم الفنى واللوجيستى لزيادة القدرة العسكرية الاثيوبية مقابل ان تساهم تركيا فى بناء سد النهضة والدفاع عنه ليزداد الموقف الاثيوبى تعنتاً وصلابة فى رفض اى محاولات موضوعية للتفاوض مع دولتى المصب بما يحقق المصالح المشتركة للجميع ومن هنا فانه يمكن القول ان مصر تواجه حالياً مشروعاً تركياً اثيوبياً للتأثير عليها بشكل او بأخر فى المفاوضات الدائرة حول سد النهضة.
واذا انتقلنا للموقف التركى وتدخلاته السافرة فى الشأن الداخلى الليبى بموافقة تلك الحكومة الاخوانية التى يراسها فايز السراج سوف نجد ان هذا يأتى فى إطار منظومة استعمارية يسعى النظام التركى الى تحقيقها لينطلق منها بعد ذلك الى باقى دول المغرب العربى لتوسيع مناطق سيطرته هناك وتقوية شوكته عسى ان يتمكن فى اعقاب ذلك من تحقيق اطماعه فى الدولة المصرية وهذا يؤكد مدى التربص بمصر والدور المصرى الذى يقف حجراً عثراً فى مواجهة تحقيق تلك الاطماع....من الطبيعى هنا الا نغفل ان كل ذلك يتم بمباركة اسرائيلية غير معلنة....بل يمكن القول انه يتم فى تنسيق وتناغم بين الدول الثلاث تركيا واثيوبيا واسرائيل حتى وصل الامر تزامن اعلان رئيس الحكومة الاسرائيلية انه خلال شهر يوليو الحالى سوف يتم فرض السيادة على الكتل الاستيطانية الاسرائيلية ووادى عربة فى الضفة الغربية المحتلة مع اعلان اثيوبيا تحديد نفس الشهر موعداً لبدء ملء خزان سد النهضة فى ذات الوقت الذى تدعم فيه اسرائيل قوات المرتزقة التى صدرتها تركيا الى حكومة الوفاق الليبية بطائرتين من احدث الطرازات لتأمين وحماية تلك القوات ضد اى هجوم عسكرى للجيش الوطنى الليبى على معسكرات هؤلاء المرتزقة والتنظيمات الارهابية المتطرفة هناك .
يحدث كل هذا على حدود مصر الغربية متزامناً مع الموقف الاثيوبى والمخطط الاسرائيلى للتوسع والتهويد فيما يمكن ان نطلق عليه
"مثلث تصدير الازمات للدولة المصرية" لتضعها فى عمق دائرة الخطر بما يهدد أمنها ومصالحها الوطنية والحياتية وهو ما يفرض على مصر حسابات ومراجعات كثيرة للاهداف والقدرات لمواجهة تلك المخاطر.
اننى على يقين ان القيادة السياسية المصرية تملك كافة الاوراق والمعطيات التى تجعلها تحدد الوقت الملائم والاسلوب المناسب للتعامل مع تلك التهديدات كل على حدة او مجتمعة معاً...وبالرغم من ذلك فاننى ارى ان مصر مازالت على الرغم من قدرتها العسكرية على مواجهة تلك المخاطر تسعى الى ايجاد حلولاً سلمية على كافة الاصعدة التى تتعامل معها.... وليس ادل على ذلك فى حديث السيد الرئيس مع مشايخ القبائل الليبية عندما عبر عن دعوة السلام التى تتبناها مصر لانهاء الصراع فى ليبيا خاصة على ضوء التزام الجيش الوطنى الليبى بوقف اطلاق النار فى اعقاب اعلان القاهرة الذى يضمن إنتقالاً عادلاً وسريعاً للازمة الليبية على المسار السياسى بعيداً عن التدخلات الخارجية التى لا تهدف الا لاستنزاف مقدرات الشعب الليبى لصالح كل من له اطماع فى ثرواته وعلى رأسها تركيا.
ومن هنا فاننى اناشد كل من يحاول ان يدفع بمصر الى اى مواجهة عسكرية سواء فى ليبيا او اثيوبيا تحت ذريعة الغيرة او الخوف على الامن القومى المصرى وذلك لشحن وتأجيج المشاعر ضد السياسة المصرية المتأنية التى تقوم بدراسة كل تحرك من هنا او هناك وتحسب المردودات التى سوف تحدث عند استخدام القوة او التفاوض لان اى قرار سوف يتم اتخاذه سيكون له تداعيات ونتائج سلبية او ايجابية يتحملها الشعب المصرى وحده دون غيره فى حين ان تركيا وايضاً اثيوبيا لن تكون خسارتها على اى وضع فى حجم ما قد نتعرض له اذا كانت القرارات والمواقف غير مدروسة او محسوبة بدقة متناهية.
ان القيادة المصرية تضع فى هذه الازمات كل الخيارات امامها وهى تعلى قيمة المصالح العليا لمصر وتظهر لجميع الاطراف فى المنطقة العربية و الاقليمية بل والدولية حجم الخطر الذى من الممكن ان يصيب الجميع اذا لم يتم إعمال الحكمة والعقل وهى ثوابت راسخة تؤمن بها مصر من اجل ترسيخ السلام فى العالم فى ظل تمادى هذه الاطراف فى العبث بالسلم الدولى تحت اوهام الاطماع فى حقوق الغير وهو ما لن تقبله مصر على الاطلاق.
وتحيا مصر....