إبراهيم باشا.. البطل الفاتح
كان جدى- رحمة الله عليه- هو المسئول عن حيى الأزبكية والموسكى فى بلدية القاهرة، وكعادة الأجداد فى مصر يحلو لهم اصطحاب أحفادهم معهم إلى أماكن العمل، الأمر الذى يمثل لهم نوعًا من التباهى والإحساس بالاستمرارية، وكان جدى يفرح بى لأنى كثير الأسئلة، كلما لفت انتباهى شىء سألت: «جدى، ما هذا؟»، عندما كبرت عرفت أنها وسيلة قديمة لنقل المعرفة؛ حكايات الأجداد.
أتذكر أنى سألته فى إحدى الجولات عن هذا التمثال الكبير والفارس الشامخ فوق حصانه: جدى، مَن هذا؟ نظر جدى إلى حيث أُشِير ووقف وقفة إجلال واحترام وقال لى بعفوية شديدة: ده إبراهيم باشا أبوأصبع. عاودت السؤال: يعنى إيه أبوأصبع، صباعه كان بيوجعه؟ ضحك الجد كثيرًا ونظر إلى الحفيد وقال: لأ، ده بطل كبير، قائد الجيش، وإشارة أبوأصبع لأنه كان يشير إلى الأمام لجنوده، لذلك أطلق عليه الناس أبوأصبع!.
عادت إلىّ هذه الذكريات عندما أصبح التاريخ همى وحياتى، وفى الحقيقة أُعجبت بشدة بشخصية إبراهيم باشا، الذى ربما لا يعرفه الكثير من الناس للأسف، هو طبعًا الابن البكر لمحمد على باشا مؤسس مصر الحديثة، كما تولى حكم مصر لعدة أشهر فى عام ١٨٤٨ أثناء مرض أبيه الأخير، لكن مَجد إبراهيم باشا الحقيقى أكبر وأهم من كل ذلك.
يعتبر إبراهيم باشا- وبمساعدة سليمان باشا الفرنساوى- هو المؤسس الحقيقى للجيش المصرى الحديث؛ جاء إبراهيم باشا إلى مصر صغيرًا، وسرعان ما أحب مصر وتعلم اللغة العربية وكان يتحدث بها- على عكس محمد على الذى كان يُفضِّل التركية العثمانية- عشق إبراهيم مصر وأحب أهلها، وبينما كان محمد على متحفظًا من مسألة توسيع دور المصريين فى الجيش المصرى، كان إبراهيم باشا متحمسًا ومشجعًا لهذا الأمر.
ويذكر التاريخ أن القائد إبراهيم باشا كان يُفَضِّل النوم فى وسط جنوده، وفى أوقات الحروب كان ينام معهم، ويفترش الأرض، لأنه يرى أنه القائد، والقائد مكانه مع جنوده.
كان الأسلوب العسكرى لإبراهيم باشا يتسم بالجدية، أو بلغة الجيوش «عسكرية ناشفة»، لكنه فى الوقت نفسه مُحِب لجنوده، وكثيرًا ما طلب من أبيه حقوق الجند. ويرى البعض أن إبراهيم باشا هو أول من فكر فى تأسيس إمبراطورية عربية، وانفصالها عن الدولة العثمانية، وأنه كانت لديه نوازع عربية نتيجة إجادته اللغة العربية وتواصله مع أهلها.
ربما لا يعرف البعض أنه هو البطل الفاتح الذى قاد الجيش المصرى منتصرًا فى الجزيرة العربية والسودان وبلاد الشام، ويُؤرخ للتاريخ الحديث فى بلاد الشام من خلال دراسة سياسة إبراهيم باشا العربية.
وهو القائد الذى استطاع بالجيش المصرى هزيمة الجيش العثمانى فى معارك عديدة، حتى وصل إلى الأناضول، ويُقال إن السلطان العثمانى خشى على نفسه من زحف إبراهيم، واستصرخ الدول الأوروبية للتدخل ضد الجيش المصرى، الذى ربما أصبح قريبًا من دخول إسطنبول نفسها!
وللأسف تحالفت الدول الأوروبية مع الدولة العثمانية ضد إبراهيم وجيشه، واستطاعت إجهاض مشروع إبراهيم باشا، وكان هدفها ليس فقط إجهاض المشروع، ولكن تحديد عدد الجيش المصرى لتحجيم دور مصر فى المنطقة.
لكن ما يحز فى نفسى أننا غيرنا اسم الميدان، الذى يقف فيه البطل الفاتح إبراهيم باشا شامخًا، من ميدان إبراهيم باشا إلى ميدان الأوبرا، مع تغيير أسماء الشوارع التى تحمل أسماء أبناء أسرة محمد على.
هل آن الأوان لرد الاعتبار إلى البطل الفاتح، وإعادة تسمية الميدان باسمه من جديد؟