محمد سيد ريان: الفيروسات الثقافية أخطر من كورونا (حوار)
هو كاتـب فــــي مجال الثقافة الرقمية وتكنولوجيا المعلومــات والإعلام الإلكتروني ومهتم بقضايا التسويق الإلكتروني للثقافة، عضو لجنة الشباب بالمجلس الأعلي للثقافة سابقاً ، وحاليا هو عضو مجلس إدارة مركز الحرية للإبداع بالإسكندرية، عضو اللجنة الإعلامية باتحاد كتاب الإنترنت العرب، حصل كتابه" تسويق المنتج الثقافي في عصر الثقافة الرقمية " علي جائزة أفضل كتاب في مجال العلوم الرقمية لعام 2017 بمعرض القاهرة الدولى للكتاب ، فاز بالمسابقة البحثية للمؤتمر العام لأدباء مصر عن بحثه ( أدب الهامش ومواقع التواصل الاجتماعي ( في عام 2016 ، وهو حاصل على جائزة الشباب العربي المتميز عام 2011 من مركز الأمم المتحدة للإعلام وجامعة الدول العربية بالقاهرة، وله العديد من الكتب والإصدارات المنشورة عن قضايا الإبداع والإنترنت، وله العديد من المبادرات الشبابية الهامة في مجال القراءة.
"الدستور" أجرت حوارًا مع الكاتب محمد سيد ريان، للحديث حول الوضع الثقافي في ظل فيروس كورونا المستجد، ووضع الكتاب الإلكتروني.. وإلى نص الحوار.
- برأيك.. ما مدى فعالية الدور الثقافي في مواجهة أزمة فيروس كورونا المستجد ومابعدها ؟
لي وجهة نظر مختلفة حول فيروس كورونا المستجد، فهو لم يصيب المرض الصحة فقط، بل أنه في رأيي فيروس ثقافي أيضًا أصاب النخبة المثقفة في العالم أجمع، لقد جعل الفيروس معظم أرباب الفكر والثقافة مكممي الأفواه أمام مفاجأته وهجماته المستترة خلف الغموض الكبير الذي يحوطه ويغلفه، وتسبب الفيروس في أزمة ثقافية كبيرة أصابت العالم أجمع لم تهدأ حتى اللحظة.
وقد حاولت جهات ثقافية عديدة نتيجة توقف الفعاليات علي مستوى العالم الاتجاه نحو توفير الموارد الثقافية عبر الإنترنت، وبث الفعاليات والندوات والحفلات "أونلاين" ونجحت بعضها في ذلك، ولكن تجارب عديدة منها اهتمت بالشكل دون المضمون، والأداة دون المحتوي، ولعل صدمة المرض كانت مربكة للكثيرين خاصة في ظل عدم توافر بنية ثقافية رقمية، ولابد من أن الثقافة كغيرها ستشهد في المستقبل القريب تحديثات تلائم ماحدث وماسيحدث، تلك التغيرات التي طرأت وبدلت في حياتنا، فلابد من وقفة جادة للمواجهة وإدراك أسبابها، ودراسة ردود أفعالنا تجاهها ونتائج ذلك والدروس المستفادة.
و الحديث عن المستقبل شيء في منتهى الخطورة، فهو ينطوي علي أبعاد يصنف بعضها علي أنها نبوءات، والبعض الآخر يصنف علي أنه تكهنات لا معنى لها، وبدون الدخول في أي من السياقات، أو الأفكار، أو التصنيفات الجاهزة؛ أجد نفسي مشدودًا لأن أضع كل نفسي والجميع في مفترق طرق تحتمل احتمالات عديدة، ولكن الذي لاشك فيه أن أفكار من قبيل شكل الثقافة وأدواتها ستتغير تغيير كلي أو جزئي، والتمدد الكبير في الخدمات الثقافية عن بعد لن يبدو غريبًا، بل أفكار مؤهلة للصعود في الفترة القادمة، وكذلك الدور الذي يمكن أن تلعبه الفئات التي تخطط السياسات الثقافية كقيادات يمكن أن تجد مكانـًا مؤثرًا في الفترة الحالية والقادمة في ظل الرغبة في العمل المستمر لمواجهة أي مخاطر محتملة.
- ذكرت في حديثك مصطلح " فيروس ثقافي "، هل من الممكن إلقاء الضوء علي هذه النقطة ؟
الفيروسات الثقافية موضوع مهم وأعمل عليه حاليًا، ويُقصد بها أفكار أو قيم أو معتقدات فاسدة تسبب أضرار وأزمة ثقافية كبيرة، ومن الناحية الثقافية يمكنني القول بأن الأزمة هنا تعني خطر معرفي أو ثقافي يصيب عقل أو فكر المجتمع ويستلزم تدخل لعلاجه عقليًا وفكريًا وتجديد الأساليب والسلوكيات القائمة للتغلب علي المشكلات.
الجهل مثلا واحد من أخطر الفيروسات الثقافية بلا شك، ومشكلته الأساسية تأتي من أنه نقيض العلم وعدو الحضارة وعقبة التنمية وقاتل الفكر والصخرة التي تتحطم عليها آمال كثيرة لتغيير الواقع، كما يمكن اعتبار الخرافة من الفيروسات الخبيثة أو التي تختبيء تحت ستار من العلم المزيف ولذلك تكمن خطورتها في أنها مغلفة بقشرة المعرفة المضللة، بينما تحتوي داخلها علي كل ما هو نقيض للمعرفة الحقيقية والثقافة السليمة.
وأيضا السلبية فيروس ثقافي مدمر، فسلبية الفكر لا تقل عن السلبية في العمل، وأقصد هنا رفض إعمال العقل في أي موضوع واللجوء إلي الأفكار الجاهزة والتقنيات السهلة بدون تدخل فكري من الشخص لإصلاح أي خلل أو مشكلة، كل هذه الفيروسات الثقافية وغيرها تحالفت مع فيروس كورونا المستجد وتسببت في الأزمة الثقافية التي واجهها العالم خلال الشهور الماضية.
كما يعاني مجتمعنا المصري والعربي من الوقوع في فخ الأفكار المستهلكة والقديمة واستسهال الحلول السطحية دون البحث عن حلول جذرية خارج الصندوق، وعلى الرغم من شيوع الوسائط الإلكترونية الإجتماعية إلا أننا في أحيان كثيرة نفتقد ثقافة المبادرة وتبني فكرة جديدة أو رؤية مختلفة لشخص ما لمواجهة أسلوب أو طريقة أو مشكلة أو قصور في أحد مناحي الحياة.
وفي عصرنا الحالي لم تعد الفيروسات والديدان المتطفلة الموجودة ببرامج الكمبيوتر تدمر الأجهزة فقط ولكننا الآن نواجه فيروسات التطرف والإرهاب الرقمى نحو كل ما هو إنساني، ولا بد من وقفة وتحرك إيجابي، وتكمن البداية فى رأيى فى الحلول الثقافية، فالحلول السياسية أو الاقتصادية أو الصحية بدون مشاركة اجتماعية وبمضمون ثقافى تظل عاجزة عن اكتشاف أماكن الخلل والفساد الفكرى الذى ينتشر بسهولة عبر تلك المنصات الإلكترونية.
- من وجهة نظرك.. كيف أثرت كورونا على النشر الثقافي بمصر ؟
أزمة فيروس كورونا المستجد تسببت في ازمة كبيرة في مجال النشر الورقي سواء للناشر الحكومي أو الخاص، ولكن في المقابل تم الاتجاه إلى النشر الرقمي سواء من خلال توفير نسخ pdf من الكتب التي صدرت خلال الفترة الماضية، ولكن طبعا توقف المعارض أثر بشكل كبير خلال شهور الأزمة، ولابد من السعي لوجود منصة ربحية لبيع الكتب الكترونيا وكذلك السعي لوجود معارض كتاب أون لاين حتي لو تم إعادة التشغيل بصورة طبيعية كما في السابق، فالتوجه الرقمي أصبح ضرورة بل وأسبق من الاتجاه العادي علي أرض الواقع.
- هل الكلمة المرئية في اليوتيوب أصبحت أقوى من المكتوبة في الكتب وأهم وأوسع انتشارا؟
ثقافة الصورة ونحن نقصد هنا ( الصور الثابتة والمتحركة علي السواء) هي بمثابة تطور طبيعي للثقافة البشرية، والتي تفرض سنن الحياة والواقع والحاجة البشرية تطورها لتلائم وتواكب مجريات الحياة المعاصرة والسريعة والجديدة ؛ فعصرنا هو عصر تكنولوجيا المعلومات الحديثة وأدوراها في مختلف مناحي الحياة، ورأيي إن كان يمكن تخصيص سمة العصر أكثر من ذلك لأطلقنا علي العصر" عصر الصور الرقمية "، الذي نتج عن التقدم في أدوات التصوير وما تبعها من إمكانيات في برامج تعديل وتحرير الصور وحفظها في صيغة رقمية علي الكمبيوتر ومنها إلى الإنترنت، وقد أضافت تلك الصور أبعادًا عديدة في الرؤية والتفسير للظواهر المختلفة.
الصورة قد تنطق بملايين الحروف وألوف الكلمات ومئات السطور وعشرات الصفحات وتكون بمثابة كتاب كامل متكامل الأفكار، نحن نحتاج إلى الاهتمام بمهارات قراءة الصور وتفسيرها واستنتاج تأثيراتها ومن ثم الدلالات الجمالية، والاجتماعية، والنفسية، والتربوية، والسياسية علي مسار الأفراد والمجتمعات والإستفادة منها في التنشئة الفكرية، والاجتماعية، والنفسية، والسياسية، والثقافية.
- وهل تراجع تأثير الكتابة عموما، والكتاب خصوصا كوسيلة للمعرفة في مواجهة تقدم وسائل التواصل كبديل؟
هناك أزمة عالمية فى هذا الاتجاه حاليا، وتوجد دراسة بريطانية من فترة قريبة أظهرت نتائج مهمة، وهي أن الشباب البريطاني ينصرف عن قراءة أعمال كتاب مثل ديكنز، وشكسبير، وكيتس لانشغاله بمواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل "فيسبوك"، و"تويتر"، و"إنستجرام"، وفي عالمنا العربي نواجه نفس المشكلة، والمسألة ليست تراجع في الكتابة ولكن فكرة الوسيط الأسرع عند الحاجة.
- هل أثرت طبيعة العصر اللاهثة والسريعة في قدرة الإنسان المثقف على القراءة لانعدام الوقت لديه، وما الحل؟
الأزمة حاليًا أن سهولة الوصول للمعلومة من خلال محركات البحث والمنصات وقواعد البيانات الإلكترونية جعل فكرة القراءة البحثية والفاحصة معدومة، ولكن تظل القراءة متعة وجاذبة للشباب في الرواية مثلًا.
ولابد من الإهتمام بالمحتوى العربي علي الإنترنت، خاصة أن عدم وجود محتوى جيد أو حتى وجود محتوى هلامي غير ناضج، سيعود بنتيجة سيئة علي الجيل الجديد فعلى الرغم من أهمية الشبكات الاجتماعية، والإخبارية إلا أنها بدون صياغة جيدة وثقافة تقوم علي أسس وأخلاقيات المجتمعات تصبح ترسيخ لقيم مادية لا تضع مجالا للإنسان أو قيمه أو طموحاته أو مستقبله الشخصي والمهني.
ولابد من التسويق الرقمي للثقافة فهو يساعد علي كسر حواجز الزمان والمكان، ويساعد علي وصول الرسالة الثقافية في أقل وقت ممكن والتكلفة تكاد تكون معدومة، وكذلك ضمان تسويق المنتج الثقافي إلي الأقاليم البعيدة والهامشية.
- هل يمكن للمبدع أن يفكر خارج الصندوق ويبحث عن وسيط معرفي بديل للكتاب، يكون أسرع في الوصول وأقل في التكلفة وبنفس تأثير الكتاب في إيصال الرسالة ؟
كلامك صحيح، وفعلا يعاني مجتمعنا المصري والعربي من الوقوع في فخ الأفكار المستهلكة والقديمة واستسهال الحلول السطحية دون البحث عن حلول جذرية خارج الصندوق، وعلى الرغم من شيوع الوسائط الإلكترونية الإجتماعية إلا أننا نفتقد ثقافة المبادرة وتبني فكرة جديدة أو رؤية مختلفة لشخص ما لمواجهة أسلوب أو طريقة أو مشكلة أو قصور في أحد مناحي الحياة.
وبالمناسبة هناك اتجاه كبير لتقنيات مهمة قريبة من الشباب كالكتاب الصوتي مثلًا بإعتبار أنه غير مجهد ويمكن سماعه في أي مكان بسهولة من خلال الهاتف المحمول أو راديو السيارة، وممكن مثلًا الاستفادة من تقنيات الأنفوجراف أو صحافة البيانات في تطوير أسلوب عرض الكتب لتكون أكثر جاذبية للشباب.
- لماذا تنشط مبيعات روايات ذات قيمة أدبية محدودة جعلت لأسماء بعينها شهرة بينما تتوارى أسماء قدمت إبداعات عميقة؟
الفكرة في التسويق في رأيي، معظم الأعمال الرائجة وراءها جهد تسويقي متميز حتى مع ضعف بعضها، ومن المهم وجود مشروع قومي للقراءة يلتف حوله الشباب كما حدث مع مكتبة الأسرة في السابق.
- برأيك.. هل تؤثر كفة الجوائز على تنشيط الإبداع لدى المبدعين؟
الجوائز مهمة كحافز مادي ومعنوي، ولكنها ليست دافع للإبداع، والكاتب الحقيقي لايكتب من أجل الحصول علي جائزة ولكن لابد أن يكون هدفه هو وصول رسالته لأكبر جمهور ممكن، تلك هي جائزته الحقيقية.
من وجهة نظرك.. ما المشكلات التي يعاني منها المثقف العربي؟
مشكلة المثقف الحقيقية هي نظرة الجمهور له، فأغلب الناس تعتقد أن الكتب ماهي إلا تنظير ثقافي لاعلاقة له بالواقع المعاش، وأن المثقفين يسعون للبحث عن يوتوبيا أو مدينة فاضلة إنسانية من خلال التوصل لقوانين صارمة تحكم الثقافة البشرية، لكننا نؤكد أننا منغمسين في المشكلات الحياتية لاغلب الناس، تلك الأحداث والتغيرات التي تطرأ دون أن ينشئها شيء، وتبدل في حياتنا، الثقافة هي الحياة بأسلوب متحضر، وفي العديد من الأزمات المجتمعية وجدنا أن الحل ثقافي وأن طريق الخروج يكمن في تغيير الثقافة السائدة.
فالقراءة مثلًا ليست نشاط زائد وإنما هي مستقبل جيد وطريق للخلاص في أحيان كثيرة، وهي الأمن الثقافي للأسرة، وأساس النهضة الحديثة للمجتمع، والقرارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية بدون تغيير ثقافي لا فائدة منها.