حسام حسنى يكتب: معاناتى كمريض قلب مع «كورونا» (مقال)
لم اتخيل وأنا اتابع أخبار انتشار فيروس كورونا المستجد"كوفيد 19" وارقب أعداد المصابين يومًا بعد يوم انني سأكون رقمًا من تلك الأرقام الإيجابية في الإصابات، كنت متحفظًا وحذرًا في كل تعاملاتي اليومية نظرًا لضعف مناعتي لكوني مريض قلب وأحد مصابي الأمراض المزمنه من سكر وضغط، وأتى اليوم الذي أصبت فيه دون مقدمات شعرت بإرهاق شديد وعدم قدرة على الحركة بشكل طبيعي، وارتفاع تدريجي في درجة حرارة الجسم مع بعض التقلصات في الأمعاء، وتناولت أقراص البنادول كمسكن للآلام، ولكن الأمور كانت تسير للأسوء، فلجأت إلى طبيب الباطنة الذي شخص الحالة بإنها اشتباه كورونا، وطلب مني إجراء أشعة مقطعية على الصدر وتحليل صورة دم كاملة وسرعة ترسيب وعلى الفور أجريت تلك التحاليل.
استلمت في اليوم التالي النتيجة، وعرضتها على الطبيب فإذا به يجزم أنها كورونا بنسبة ٩٠ ٪، قمت على الفور بعزل نفسي عن باقي أفراد الأسرة، والإتصال بالطب الوقائي وبدأت المحاولات المضنية لإجراء مسحة لدخول مستشفى العزل، ذهبت إلى استقبال مستشفى كوم أمبو بالأشعة والتحاليل، طالبًا من الطبيب المناوب إجراء تحليل مسحة إلا أنه رفض وطلب مني أن أعود إلى المنزل والحضور صباح اليوم التالي.
في اليوم التالي تلقيت اتصالًا من مدير الطب الوقائي الدكتور عز حامد ياسين يخبرني أنهم حاولوا الذهاب إلى منزلي لعمل المسحة ولكن ظروف ما منعتهم وأنه يستوجب علي أن أحضر لقسم الاستقبال بالمستشفى لعمل تلك المسحة، على الفور ذهبت ومعي شقيقتي إلى قسم الاستقبال وأجريت تحليل المسحة خلال خمس دقائق وعدت إلى المنزل منتظرًا النتيجة في اليوم التالي.
أمضيت ليلة من الليالي التي لا تنسى من شدة الأعراض، وبالتحديد ألم الضهر وارتفاع الحرارة وبداية الكحه التي لم تنقطع دقيقة واحدة لليوم الثالث على التوالي، وجاء اليوم الذي انتظرته بقلق بالغ لمعرفة النتيجة، فإذا بي في الرابعة من عصر هذا اليوم اسمع صوت سيارة الإسعاف أمام المنزل وسط تجمع الجيران لنقلني إلى مستشفى العزل بكوم أمبو بعد التأكد من إيجابية الإصابة بكورونا.
جهود مضنية بذلها زملائي الأدباء ومسؤلو الثقافة وبعض الإعلاميين لمحاولة إيجاد سرير في العزل، وقد وفقهم الله في ذلك، وبعد عناء شديد، ادخلني الطاقم الطبي في غرفة كانت بالنسبة لي أشبه بالزنزانة، وبدأت في تلقي جرعات العلاج والمتابعة الدقيقة بعد تركيب الكالونات اللازمة بصعوبة لضعف أوردتي، لقد كانت الأيام تمر ببطئ شديد وكانت تزداد حدتها دون انقطاع على مدار الأيام الستة الماضية؛ الأمر الذي اجهد الأطباء في إيجاد العلاج الأمثل لإيقافها، لكن الحرارة استقرت والتقلصات توقفت، بينما ظلت حالتي النفسية ليست على مايرام، خاصة أنني كنت شاهدًا على كل حالات الوفاة التي كانت تخرج من غرفتي ومن الغرف المجاورة في العزل.
كان الشعور بالموت لا يوصف، وكنت في انتظار نهاية متوقعة خصوصا مع تشنج مقدمة الجهاز التنفسي العلوي، وكنت أشفق على طاقم التمريض ومعاناتهم وخطورة عملهم واحتمالية انتقال العدوى من المرضى إليهم رغم حرصهم الشديد في التعامل معهم؛ كان اتصالي وتواصلي مع العالم الخارجي قد انقطع تمام، وفي منتصف اليوم التاسع تم أخذ مسحة ظهرت نتيجتها بعد يوم لتثبت إيجابية الاصابة، ومعها تتصاعد معاناتي النفسية.
وفي اليوم الحادي عشر أجروا مسحة جديدة للتحليل وجاءت البشرى في مساء اليوم الثاني عشر من العزل معلنة سلبية المسحة واختفاء الفيروس، وصحب ذلك فرحة عارمة نفخت في روحي وانتشرت في قسم العزل بالمستشفى، حيث انطلقت الزغاريد من طاقم التمريض وعمت الفرحة أرجاء المكان وانسابت الدموع من عيني ليكتب لي في اليوم التالي الخروج من المستشفى مع مصادرة كل ملابسي التي دخلت بها خوفًا من انتقال العدوى.
خرجت لأذهب إلي منزلي في أسوان المدينة؛ فكل أحداث تلك الفترة قضيتها في منزل والدي بقرية الرغامه غرب، وبقيت في العزل المنزلي عشرة أيام أخرى كإجراء احترازي؛ عشرة أيام زادت من معاناتي النفسيه وأنا المح نظرات الخوف والتوجس من الاقتراب مني أو مجرد التعامل معي رغم التعافي.
كانت تجربة قاسية جدا ومؤلمة دعوت الله أن يقيكم جميعًا شر هذا المرض ويحفظكم من كل سوء وشر.