وائل خورشيد يكتب: حجرين معسل في صحبة الإمبراطور
نعتقد أن العالم سيكون مكانا أفضل لو أن بعض الأحداث لم تقع، بشكل قصير المدى هو أمر يبدو صحيح، ولكن الأمر ليس كذلك.
• الإفلاس
- الكُتّابُ يتعرضون أحيانا لشيء مقلق بل حتى مرعب، يحدث ذلك حينما تشعر أنك فقدت الأفكار، لا تستطيع الكتابة، لحظة الإفلاس تلك شديدة القسوة، لأنك وفي كل مرة تظن أنك انتهيت، أو أنك لم تكن من الأساس، البعض يصل لتلك الحالة تحت وطأة ضغوط الحياة، أحيانا في ظروف نفسية سيئة، أما أنا فقدت لاحظت أني أتوقف عندما أهدأ، وأكون في حالة يمكن أن أسميها صفرية، لا أشعر بشيء، لا حب، لا غضب، لا رغبة، لا شيء، أشعر بالفراغ النفسي، ولكن فقط أنطلق حينما يكون هناك شيء يملؤني.
أحيانا أجد الكلمات تهرب مني وحدها، حتى أني لا أعرف ماذا أريد أن أقول، فقط أدع أصابعي تتحرك على لوحة المفاتيح، وأرى النتيجة بعد ذلك كقارئ، كل ما في الأمر أن هناك شيء في نفسي يسعى للخروج، وأنا أفتح له الباب، وهذا لا يحدث أبدا حينما أكون في حالة خمول وسكون.
نحتاج دائما لدفعة، لتكون بمثابة الدافع الذي يحركنا، لو أننا خلقنا مكتملين، لا نريد شيئا ولا نسعى لشيء، ولا ينقصنا شيء، فلماذا نعيش بالأساس؟
• لا يُهزم.. لا أُهزم
- خلال الأيام الماضية شغلتني لعبة، كنت ألعبها صغيرا، ومع أوقات العزل والملل تبادر إلى ذهني أن أحملها من جديد، مع أغنيات عمرو دياب نفسها التي كنت أسمعها في الخلفية، حالة من النوستالجيا. قضيت ساعات طوال ألعب، لا أفعل شيئا آخر، حتى وصلت لوحش يدعى Diablo demon وعند هذا الحد لم أستطع بكل القوة التي جمعتها أن أتغلب عليه، جربت معه كل شيء، لكن بلا جدوى، يبدو أنه كان مُصمما لأن لا يهزم.
خلال ذلك تذكرت أن أحد أصدقائي كان يعرف شفرة للعبة، يمكنني من خلالها جعل الشخصية التي ألعب بها لا تهزم، وتم الأمر بالفعل، حولت شخصية punisher خاصتي لآلة حرب، وخزينة ممتلئة بالمال، وقتلت الوحش- لأنني لا أُهزم - ولكن بعد ذلك فقدت الشغف باللعبة. معي كل شيء، لا أعرف هدفا للاستمرار، أصبحت أعثر على الأشياء التي أكتسبها من الاستمرار ولكن لا أحتاجها. فلماذا ألعب؟
• هذا قدرنا
الحياة بلا تحديات ليست حياة، رغم أننا حين نقابل المواقف التي لا تعجبنا وجها لوجه ننزعج، وحينا نريد الحصول على شيء ويتأخر أو لا نصل له أبدا، نغضب، نكتئب، بعضنا قد يصير مجرما، ولكن في حقيقة الأمر نحن لا يمكننا أن نعيش دون ذلك، وهنا أقصد الإنسانية جميعها.
البشرية حينما وصلت للحظة تشعر فيها أنه لا يقدر عليها أحد، جاءها كورونا، عرف البشر معه قَدرهُم، كما تعايشوا مع قَدَرَهُم، تغيرت أولوياتهم، وبعد انتهاء الأزمة، بالتأكيد هناك شيء سيتغير فينا جميعا، لأن هناك دفعة عميقة مستنا كلنا، لا أعتقد أن أحدا لم يدفع ثمنا أو يخسر شيئا.
الذي يسعى ويفقد أشياء، غالبا ما يعوضه الله بخير منها، أو يجعله يرى أشياء حوله لم يكن يراها وفيها كل الخير.
• هل الورد جميل؟
حينما نمسك ورده، بعضنا يراها جميلة والبعض يراها نباتا عاديا لا يفرق عن غيره شيئا، وآخرون يهتمون بالألوان وكل واحد منها يعبر عن معنى، الورد نفسه لم يتغير، الفرق بيننا جميعا هو كيف نراه، وهذا التحدي الأكبر في الحياة، كيف نرى العالم، العالم من حولنا، وكيف نتعاطى معه، وما نحتاجه، وطريقة الوصول إليه.
تصور مثلا أن أحدهم أكبر تحد في حياته، هو أن يعرف ما هي الوجبة المفضلة لدى الصرصور، قد تعتقده مجنونا، لكن هو لا يرى ذلك، هو يراه شيء يؤرقه، ومسألة حياة بالنسبة له، وفي سبيله لذلك، درس علوما شتى وزار أراض كثيرة، وأفاد البشرية بعلوم أخرى ولولا هذا التحدي الغريب، لما كان فعل شيئا.
• إمبراطور العالم
في طريقي لمنشأة القناطر، رأيت رجلا، من نظرتي الأولى له، شعرت أنني أمام سلطان العالم، يجلس أمام محل مساحته ربما ثلاثة أمتار أو أقل، مرتديا جلبابه، متربعا فوق كرسي عرشه، عبارة عن مقعد خشبي بسيط، يدخن الشيشة وينظر للخلق في السوق من حوله، هو متخصص في بيع المعسل وأدوات التدخين. بغض النظر عن رؤيتك لمشروعية ما يفعل، فهو يشعر أنه يمتلك العالم، إمبراطور يجلس على مقعد أكبر شركة متعددة الجنسيات توفر له كل ما يريد، التحدي الذي يقابله، هو أن يحافظ على كنزه هذا، أن يبقى وضعه على ما هو عليه، فالأشياء لو تركت دون حركة تفنى وتنتهي، قد تجادل بأن بعض الأشياء تعبر الأزمنة، وتكون أثرا، وفي الحقيقة هي تستمد قيمتها من قدرتها على البقاء، وسط تحديات الطبيعة وتقلبات العالم.
جميعنا نواجه التحدي الأكبر وهو الاستمرار، والثاني وهو التقدم، والثالث وهو ملء فراغات النفس.
لا تنظر إلى تحديات الحياة كأنما هو شيء خاطئ ترتكبه ضدك، بل اعتبر الأمر وسيلتك للوصول لأراض أبعد وأرحب. الطفل لا يولد بطلا أوليمبيا، بل غريبا يبكي، ثم بعد ذلك قد يحكم العالم.