بلا أسوار.. «أردوغان» الضيف الثقيل فى الجامعة العربية
الاجتماع الطارئ للجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، الذي يعقد بطلب مصر، لبحث واحد من أخطر الملفات تهديدًا للأمن القومي المصري والعربي، لبحث القضية الليبية التي عاثت فيها تركيا فسادًا وتخريبًا ونهبًا بعد أن أرسلت آلاف المرتزقة الأرهابين بتوجيه مباشر من أردغان وبتنسيق مع حكومة السراج المعترف بها من الجامعة العربية.
تم تأجيل الاجتماع لـ 24 ساعة، قالت الجامعة العربية، أنها لأسباب تقنية لكن الحقيقة القديمة، أن لا جديد التأجيل بسبب الخلافات بين الدول العربية في ما يخص الملف الليبي، ولازالت الذاكرة تحتفط جيدا بقرار الجامعة العربية التي أدت إلى انفراط عقد الدولة الليبية، في عام 2011 عندما أعطت الضوء الأخضر لتدخل قوات التحالف الدولي التي ساندت فصائل أطاحت بنظام الرئيس القذافي، الذي تبعه حالة من السيولة في المشهد السياسي، وأدت إلى أن تكون ليبيا محطة من محاطات الصراع الأقليمي التي شنته تركيا على وطننا العربي.
لازالت اتذكر جيدًا إصرار الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، عمرو موسى الذي خرج للصحفين وتحدث (12 مارس 2011) عن فرض منطقة لحظر الطيران فوق ليبيا، وقال موسى:"إن الجامعة طلبت رسميًا من مجلس الأمن فرض منطقة لحظر الطيران وإقامة مناطق آمنة في الأماكن المتعرضة للقصف كإجراءات وقائية تسمح بتوفير الحماية الليبين.
والتاريخ يكرر نفسه فاجتماع اليوم بعد سنوات طويلة، يعود بعد كل هذه السنوات عبر تقنية الفيديو كونفراس، ولكن بعد خراب مالطا كما يقول المثل، وانفراط عقد الدولة الليبية وبعد تشظي أكبر وأعمق في المواقف العربية، وبعد أن استطاع تركيا وأذرعها من التمكن عبر وكلاء وعملاء وأطراف متعددة، وفي أكثر من جبهة وأكثر من ملف.
أردغان موجود في الجامعة العربية نعم موجود له وكلائه، وحاملي أحلامه أمبراطوريته المزعومة والمهزومة في ذات الوقت، ورب قائل وكيف ذلك أقول، لنقراء تغريدات عراب أردغان في الجامعة العربية وصاحب مقترح "منتدى العلاقات العربية التركية 2008" حمد بن جاسم بن جبر رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الذي قاد بكل وقاحة عملية عبور أردغان إلى أروقة الجامعة العربية، والذي دعم بطريقة غير مباشرة توغل إيران أيضًا، ولازالت اتذكر تصريحات حمد بن جاسم في بداية عام 2009، حول إيران وضرورة فتح حوار معاها ولولا ومشاركة إيران وتركيا في اجتماع حول العداون الإسرائيلي لغزة في ذات الوقت مع اجتماعات عربية في الكويت، ولولا التدخل السعودي والمصري في حينها، لكانت إيران ضمن المدعوين لتلك القمة التي جرت آواخر مارس 2009.
وتغريدات حمد بن جاسم الأخيرة جاءت لتعبر عن هزيمة، واضحة للمشروع التركي الإيراني، الذي اعترف أن مشروع تفتيت الدول العربية ما هو إلا مخطط من دول خارج المنظومة العربية (تركيا وإيران وإثيوبيا)، التي كانت قطر الشريك لهذه الدول، وحاول حمد أن يحدث الشرخ بين مصر وبين السعودية والإمارات وبين مصر وبين الجزائر وتونس، لكن هذه التغيردات بدت بشكل واضح لتعبر عن انكسار هذا العجوز الباحث عن أحلام الفتى المتصابي السياسي، والذي يعبر عن هزمة واضحة لنظام تميم الذي اصبح ذليل للطربوش التركي والعمامة الإيرانية.
وبالعودة للتاريخ توالت قطرشغل مقعد تركيا في الجامعة العربية، والتاريخ حافل وطويل ونحن أبناء هذا التاريخ عشناه بكل مرارة وألم، وليس ببعيد قرار الجماعة العربية بتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، وكيف ساهمت قطر في افشال بعثة السلام للجامعة العربية، في الفترة بين عامين 2011 و2012 وقامت قطر، بأمداد مجموعات من المسلحين وأسست قطر الجيش الحر وجبهة النصرة، وسعت بالتعاون مع تركيا إلى تدمير سوريا.
نحن الآن أمام خطر يهدد أمن وسيادة مصر، وأمن وسيادة مصر يعني أمن وسيادة كل الأمة العربية، وأمام مشهد لا يقبل القسمة ولا التهاون، وصحيح أن التعويل على أجماع عربي حول التدخل التركي، هو ضرب من الخيال، لأسباب منها تبيان بين الموقف التونسي الذي يرى أن التدخل التركي جاء بموافقة السراج المعترف بها وبدعم واضح من الغنوشي وعصابة الإخوان هناك، وهذا ما عبر عنه الرئيس قيس سعيد خلال لقاءه بالرئيس الفرنسي ماكرون الذي عبر عن قلق فرنسا من التدخلات الخارجية والأعمال الاحادية وضرورة وقف إطلاق النار، وهنا لابد الإشارة إلى التباين في موقف إيطاليا أيضًا المؤيد لحكومة السراج والتي لم تقوم بواجبها في العملية (ايريني)، وهناك أيضًا الموقف الألماني الضبابي، وبالتالي فهناك حالة من الانقسام الأوربي، وأيضًا الموقف الأمريكي الذي لازال يرد أن يكون موقف التفاوض ووقف إطلاق النار على قاعدة أن الجفرة وسرت خطوط تماس خطر مع مصر، وهذا ما دفع أفريكوم إلى القول للسراج أن أمريكا، ترى أن تأزم الموقف يدفع أمريكا إلى دعم مصر عاجلًا أم اآجلًا.
هناك موقف الجزائر، الذي يريد أن تجري المفاوضات تحت أنظاره ووفق مصالحها التي ترى أن حكومة السراج يجب أن تحظى بمقعد تفاوضي أعلى من الباقين، على أساس أن ليبيا القوية لن تكن مريحة للجزائر التي ترى أن قدراتها التصديرية للطاقة ربما تتأثر في حالة أن تكون ليبيا أكثر استقرارًا وأكثر قربًا لها من باقي الجيران.
في المقابل الموقف العربي متذبذب في المشرق، فالعراق المحاط بمخاطر تركيا يرى أنه أمام عدو، بات على وشك أن يستقطع أجزاءًا مهمة من محافظته الشمالية، فبعد انتهاء اتفاقية لوزان 2023 قضت قبل 100 عام على أحلام ضم أدلب وحلب السوريتان والموصل العراقية لتركيا التي لازالت تطمح لآن تعود مرة أخرى عبر القوة العسكرية المباشرة وفرض الأمر الواقع في العراق، الذي يرى أن التوغل التركي في ليبيا مهدد لمصر والعراق على حد سواء.
في مقابل دعم خليجي وأردني لمصر، بينما لا وضوح لموقف المملكة المغربية أوالسودان أو موريتانية والصومال، التي فيها أكبر قاعدة عسكرية تركية، ولبنان الذي يعاني من تدخلات إيرانية قريبة من الرؤية التركية.