بلا أسوار.. لماذا يحرق أردوغان بلادنا؟
سؤال طرحه المذيع اللامع حسين الشيخ مذيع قناة الحدث الإخبارية، على أحد ضيوف القناة المحترمون، وطرح السؤال بطريقة احترافية، وشار في سؤاله: إلى أن هل أردوغان يمتلك كل هذه القوى حتى يستطيع فتح أكثر من جبهة في العراق وسوريا وليبيا؟
كل التقدير لإجابة الضيف وهو بالتأكيد يملك معلومات أفضل مني، لكن هذا السؤال، فتح لي أبواب من البحث والتقصي والتحري لمعرفة مكامن قوة أردوغان، صحيح هو "بلطجي، شبيح" قل ما شاءت عنه فهذه صفات أقل بكثير من دوينية أردوغان الذي يملك من صفات سابقيه من العثمانيين من دناءة وخسة وتجرد من أي صفة إنسانية.
حادثتين مهمتين خلال الساعات الماضية، أولهما ما قامت به ميليشات الوفاق الليبية التابعة للسراج وكيل أردوغان في ليبيا، بقيامها من الاستهانة والاستهزاء بعمال مصرين بسطاء في مدينة ترهونة، والفيديو أثار موجة عالمية وليست مصرية وحسب، اتجاه هذا التصرف اللإنساني واللأخلاقي وتجاوز الانتقاد، إلى حد الغضب في وسائل التواصل الاجتماعي حيث أن هناك أنباء غير مؤكدة، رجحت أن ميليشيات السراج ربما اغتالت هؤلاء الشباب، وهو ما يعد جريمة لن تسكت عليها مصر بداية من قيادتها السياسية وجيشها وشعبها، ولن تضيع دماء أبناءها في أي مكان وتحت أي ظرف ولا تهاون مع من تسول له نفسه تهديد حياة أي مصري.
وهنا يمكن السؤال كيف استطاعت هذه المليشيات من تعزيز نفوذها في ليبيا؟ وكيف استطاعت نهارا جهارا تهديد أمن مصر؟ أقول بكل ثقة أن أردوغان هو من يقف وراء كل هذه الجرائم سواء بحق أبناء الشعب الليبي أو بحق أي إنسان على أرض ليبيا وهو يستغل ليبيا لتعزيز مكانته كقوى تفاوض مع المجتمع الدولي الذي بدأ يتململ من تصرفاته في المنطقة.
تضرر علاقة أردوغان بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى وصلت إلى تهديد الرئيس ترامب بتعليق مشاركة أنقرة في برنامج إنتاج الطائرات من طراز أف 35، فإن العلاقات بين واشنطن وأنقرة تحسنت بعدما أصبح لتركيا كلمة مسموعة في ليبيا، للأسف الشديد بمساعدة حكومة تابعة ذليلة لم تهتم بأمن وسيادة ليبيا، وسمحت لاستباحة البلاد بأكثر من 30 ألف عنصر إرهابي.
يحاول أردوغان تسويق وتجنيد الرئيس الأمريكي، كصديقه المقرب له بعد النجاحات العسكرية الوهمية في ليبيا، الذي وضع تركيا على الخريطة باعتبارها الداعم الرئيسي لحكومة الوفاق الليبية وهذا يعني أن المواجهة ستكون واضحة بين روسيا وتركيا في ليبيا وهي مواجهة ، بدأت ملامحها من خلال الاحتكاك غير المباشر في سوريا.
إن مغامرة تركيا في ليبيا، ستضعها في موقع متصاعد بشكل خطير إزاء اليونان وقبرص وفرنسا، والعديد من دول الاتحاد الأوروبي وتعني أن مغامرة أردوغان الذي استغل جائحة كورونا، وانشغال أوروبا بها هذه المغامرة ستشعل الصراع مع اليونان، التي وقعت مؤخرًا اتفاقية بحرية مع إيطاليا ردًا على خطوة تركيا، بتوقعها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة السراج، وهو ما يعني أن تحالف أوروبي روسي ومصري يتشكل لمواجهة أردوغان وأحلامه في ليبيا.
وفي العراق اخترق طيران أردوغان سيادة العراق، عبر شن سلسلة هجمات جوية على مواقع في شمال البلاد، وهو الاختراق الـ89 منذ بداية العام الحالي، مستندا بهذا الفعل على اتفاقية عفى عليها الزمن وشكلت شوكة استخدمها أردوغان في اختراق متواصل لحدود العراق، ومع انطلاق عملية المخلب-النسر، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية التي ضرب بها أردوغان عرض الحائط، هو يسعى إلى أن يستفيد من عوامل الوقت ومن مشكلة، اتفاقية لوزان (1923)، التي أعادت شمال العراق إلى وضعه الطبيعي، وهذه الاتفاقية التي تلتها سلسلة من الاتفاقيات حتى أواخر ثمانيات القرن الماضي، التي وقع العراق وتركيا اتفاقية تسمح بأن تقوم القوات المسلحة للبلدين، بالدخول إلى أرضي لـ30 كلم لتعقب المسحلين الأكراد (حزب العمال الكردستاني التركي – الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني) في البلدان.
لكن أردوغان استغل ما حدث في العراق منذ عام 2003 واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وانفرط عقد جيشه وما تلها من حرب طائفية، وتماهي الإخوان المسلمين في العراق وبعض القيادات السنية، كلها أدت إلى تكرار الهجمات بحجج كثيرة، وحاول العراق في 2015 أن يحصل على قرار من مجلس الأمن الدولي، يدين الانتهاكات التركية لكن روسيا وبسبب تحالفها مع أردوغان في سوريا، اقنعت العراق بسحب مشروع القرار، ومع كل ذلك خرجت الجامعة العربية بعدة قرارات للأسف لم تكن ذات قوى وتأثير مع اختلال منظومة العمل فيها، لم تكن قرارات الجامعة العربية، بما يحافظ على سيادة العراق ووقف التدخل التركي في العراق وأيضا في ليبيا.
وعود على السؤال ماذا يملك أردوغان أقول إنه لا يملك إلا أحلام واهية وطموحات مريضة دولة الخلافة العثمانية سيئة الصيت، وأن وجود أحزاب الإسلام السياسي (سواء إخوان مسلمين أو غيرهم) في بعض الدول العربية (تونس - العراق - ليبيا – اليمن – الأردن) ، وتماهي تلك الأحزاب مع أردوغان وسياساته التوسعية العدوانية، هو ما أتاح لهذا المعتوه أن يتوغل في بلادنا مهددا سلامتنا، كما أن المجتمع الدولي المتراخي مع أردوغان وسياسته هو ما جعل هذا المسعور يتوهم إنه قادر على إعادة أحلام الدولة العثمانية التي يجب أن تصنف كأسوء دولة عرفها التاريخ.