الحرس الثورى التركى
يخطئ من يعتقد أن تلك المغامرات والغزوات التى يقوم بها الرئيس التركى أردوغان تحظى بقبول لدى الداخل التركى، بل إن أصوات المعارضة والاحتجاجات الداخلية هناك تشهد تزايدًا ملحوظًا، خاصة عندما تستقبل المدن التركية جثامين العديد من الجنود الأتراك الذين يشاركون المرتزقة والميليشيات وعناصر تنظيم «داعش» فى التدخلات العسكرية التركية فى ليبيا حاليًا وقبلها فى سوريا.
يأتى هذا أيضًا متزامنًا مع الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها تركيا وانخفاض قيمة الليرة بشكل كبير، بالإضافة إلى فشل التعامل مع فيروس «كورونا» مما أدى إلى وجود المئات من حالات الوفيات، فى ذات الوقت الذى تحتضن فيه بلاده قيادات عناصر الجماعات المتطرفة التى صنفتها بعض الدول الأوروبية بالإرهابية، وقد أدى كل ذلك إلى تخلى العديد من حلفاء الرئيس التركى عنه وتشكيل أحزاب وليدة تعارض سياساته، بل تحقق نجاحات على الصعيد الداخلى ترتب عليها الفوز فى انتخابات المحليات لأهم البلديات الكبرى فى تركيا، وهى إسطنبول وأنقرة وإزمير وهاتاى.
ناهيك عن محاولة الانقلاب الفاشلة التى تعرض لها حكم أردوغان فى ٢٠١٦، والتى ما زال يقوم، حتى يومنا هذا، بالقبض على العشرات من رجال الجيش والشرطة والقضاء بتهمة المشاركة فيها، حتى وصل عدد المسجونين السياسيين لقرابة ٥٠ ألف سجين سياسى، بالإضافة إلى ١٠٠ ألف شخص تم فصلهم من عملهم لأسباب سياسية، بل إن أجهزة المخابرات التركية رصدت مؤخرًا ما يقارب ٧٤٣٠ حسابًا على شبكات التواصل الاجتماعى تستخدمها عناصر من جناح الشباب فى حزب «العدالة والتنمية» الحاكم الذى يتزعمه أردوغان، وقد تم إغلاق تلك الحسابات والقبض على القائمين عليها وإنشاء حسابات جديدة تشرف عليها الأجهزة الأمنية لتصدير صورة ذهنية إيجابية عن إنجازات الرئيس التركى.
وفى خطوة اعتبرها المجتمع التركى مقدمة لإنشاء ما يشبه الحرس الثورى الإيرانى، وفى إطار سعى أردوغان لإحكام قبضته على المؤسسات الأمنية والعسكرية، تقدم مؤخرًا حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بمشروع قانون يسمى «قانون حرس الليل»، وهو قانون يهدف إلى تسليح أنصار الحزب الحاكم فى المدن والبلديات لمعاونة أفراد الجيش والشرطة من أجل مكافحة الجريمة وحفظ الأمن والنظام، وهذا هو السبب المعلن فى القانون، إلا أنه يخفى تحت طياته الرغبة فى تحصين أعضاء الحزب الحاكم من الملاحقة القانونية ويضفى عليهم صفات شبه عسكرية، فى محاولة لرفع معنوياتهم ولإحكام السيطرة على الأوضاع الداخلية هناك.
ويعطى هذا القانون لهم صلاحيات واسعة ومزايا مادية ووجاهة اجتماعية كبيرة، وقد كانت مؤسسة «حرس الليل» قد أُنشئت عام ٢٠١٦، عقب محاولة الانقلاب على الحكم التركى لمساعدة وزارة الداخلية، إلا أن صلاحياتها بدأت فى التوسع والتمدد حتى أصبح عددهم حوالى ٢٨ ألف فرد، أصبحوا بحكم القانون الجديد- الذى تمت الموافقة عليه الخميس الماضى بعد معارضة كبيرة من الأحزاب الأخرى- يتمتعون بصلاحيات واسعة بعد تسليحهم، بل منحهم سلطة اعتراض المواطنين فى الطرق والأماكن العامة للاشتباه والتفتيش والتدقيق فى هوياتهم.
وهكذا يحاول الرئيس التركى أن يبسط سيطرته على الأوضاع الداخلية فى تركيا من خلال إنشاء ميليشيات أو جيش موالٍ له على غرار «الحرس الثورى الإيرانى»، كما ذكرنا، وذلك كخطوة استباقية للسيطرة على المشهد السياسى فى حال ما إذا نجحت النخب التركية فى إجبار النظام الحاكم على إجراء انتخابات مبكرة، وكذلك لاجتثاث أى محاولة انقلابية قادمة ضد أردوغان.
هذا هو فكر الإخوان الذى يستخدم الاستبداد والعنف لتحقيق مآربهم حتى ولو كان على حساب الشعوب المسالمة.. وهنا نتذكر ما كانت تسعى أيضًا جماعة الإخوان الإرهابية إلى القيام به من تشكيل ما يسمى «اللجان الشعبية» و«الشرطة الموازية» خلال العام الذى استولت فيه على حكم البلاد فى ٢٠١٣.
ويبقى السؤال هنا: هل سوف تنجح تلك المحاولات فى إجهاض أصوات المعارضة والاحتجاج تجاه هذه السياسات الخرقاء التى ينتهجها أردوغان داخل وخارج بلاده؟.. دعونا نترقب وننتظر.