ما بين الخطر والحذر
بنهاية شهر رمضان المبارك، انتقلت الدولة المصرية إلى مرحلة جديدة من مراحل مواجهة فيروس «كورونا» الذى أصبح من المؤكد أن وجوده ومعدل انتشاره سوف يرتفعان خلال الأسابيع المقبلة قبل أن يبدأ فى الانحسار، وهو ما يؤكده كبار المتخصصين فى علوم مكافحة الأوبئة والفيروسات، وأيضًا ما أكده الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية لشئون الصحة والوقاية.
ومن الممكن أن نطلق على هذه المرحلة «المواءمة»، وأقصد بها تحقيق التوازن بين دوران عجلة الحياة للحفاظ على مقدرات الدولة الطبيعية والاقتصادية، وبين الحفاظ على صحة المواطن من خلال الاستمرار فى تطبيق الإجراءات الاحترازية اللازمة، وذلك على ضوء تأثير تلك الجائحة على اقتصاد الدولة، الأمر الذى كان يستلزم بالفعل إعادة النظر فى بعض القرارات التى تتعلق بالممارسات التجارية والاقتصادية والاستثمارية، إلا أن هذا لا يعنى زوال الخطر من انتشار الفيروس أو النجاح فى تحجيمه، وإن كنا حتى الآن نأتى فى مرتبة أفضل بكثير من العديد من الدول المتقدمة اقتصاديًا وصحيًا.
هذه المرحلة نحتاج معها إلى أن نتوقف أمام بعض الظواهر والسلوكيات السلبية التى سوف تمثل خطرًا كبيرًا مع بداية قيام الدولة باتخاذ الإجراءات الخاصة بالتعايش مع وباء «كورونا»، باعتبار أن تلك الإجراءات سوف تمثل «أسلوب حياة» قد يستمر فترة ليست قصيرة، الذى بدأ بالفعل فور الانتهاء من إجازة عيد الفطر.
ومن أبرز تلك السلبيات: عدم الالتزام باتباع الإجراءات الاحترازية اللازمة فى المواصلات العامة أو الهيئات الحكومية، أو أى موقع أو هيئة أو مؤسسة أو إدارة أو مصلحة تكون محلًا لوجود أعداد كبيرة من المواطنين والعاملين بها، الأمر الذى سوف يترتب عليه المزيد من الإصابات والأعباء التى تتحملها الدولة من جراء ذلك.
ومن هذا المنطلق، فإن جميع أجهزة الدولة بدأت مؤخرًا تتحول من «مرحلة الفعل» بمعنى تجهيز المستشفيات وإدارة الأزمات الناتجة عن انتشار هذا الفيروس اقتصاديًا وغذائيًا وطبيًا وأمنيًا إلى مرحلة «الرقابة والمتابعة»، بمعنى أن جميع أجهزة الدولة سوف تبدأ فى متابعة التزام المواطنين بالقواعد والتعليمات التى حددتها للحفاظ على حياتهم وصحتهم من ناحية.
ومن ناحية أخرى، بدء دوران عجلة الحياة فى كل المجالات وعلى جميع الأصعدة بما فى ذلك التردد على دور العبادة من المساجد والكنائس والأندية الرياضية والفنادق والمتنزهات.. إلخ، ومن هنا فإنه لم يعد هناك مجال للرهان على وعى المواطن والتزامه فقط بل سوف يصبح الرهان الحقيقى على قوة القانون وإنفاذه على من لن يلتزم بالتعليمات التى تصدرها الدولة.
وقد استعدت البلاد بالفعل لتلك المرحلة، حيث أجرى البرلمان تعديلات تشريعية على القانون رقم ١٣٧ لسنة ١٩٥٨، ليتيح للحكومة ووزارة الصحة إصدار قرارات بفرض الكمامات فى وسائل المواصلات العامة والمراكز التجارية، ومواقع العمل فى المصالح المختلفة، وتحديد العقوبات اللازمة على مخالفى تلك القرارات.
وهنا ننتقل إلى المحور الثانى من مقالنا اليوم وهو «محور الحذر»، حيث سوف ينصب بالكلية على المواطن فى جميع تصرفاته وسلوكياته من بداية يومه وحتى نهايته.. فلا شك أن استجابة المواطن لتعليمات حكومته سوف تساعد على مواجهة الوباء وتوفير أفضل رعاية صحية للمصابين وأفضل خدمات حكومية للمواطنين.. وفى الوقت ذاته يجب أن نحذر وننتبه إلى محاولات التشكيك التى يسعى أهل الشر لتصديرها إلينا، والتى نبه إليها الرئيس مؤخرًا فى تدوينته التى نشرها عبر صفحته الرسمية من محاولات أعداء الوطن من المتربصين التشكيك فيما تقوم به الدولة من جهد وإنجاز، وضرورة التصدى لتلك الحملات ومجابهتها ليبرهن شعبنا المصرى على صلابة وأصالة معدنه.
إننا اليوم نبدأ مرحلة جديدة وحاسمة من مراحل التعامل مع هذا الوباء، ولا حديث فيها يعلو على المصلحة العليا للوطن، ومن يخالف الإجراءات المطلوبة عليه أن يتحمل تبعات ذلك مهما تكن المبررات حيث إن أى تأخير لن يكون فى الصالح العام، وكل ساعة تمر بالالتزام والانضباط سوف تساعد فى انحسار الوباء والحد من انتشاره وضمان عودة الحياة إلى طبيعتها التى كنا نعيشها ولم نكن نشعر بقيمتها وإنها نعمة من الله سبحانه وتعالى أصبحنا فى أشد الاحتياج إليها.
حفظ الله وطننا العزيز.
وتحيا مصر.