مقدماتُ حربِ 1967 [2]
وبدأتْ عجلاتُ حربِ الأيامِ الستةِ تتحركُ بسرعةٍ. في 14 مايو 1967.عادَ رئيسُ الأركانِ المصريِ منْ سورية إلى بلادهِ. وفي الوقتِ الذي كانتْ متحمسةً فيهِ لتوضحَ أنها تستطيعُ ردعَ إسرائيلَ عنْ نواياها العدوانيةِ ضدَ سورية اتخذتْ مصرُ عدةَ إجراءاتٍ.
يقول موشي ديان في مذكراته " في تلكَ الليلةَ وصلتْ إلى معلوماتٍ غامضةٍ تقولُ إنهُ تجري في مصرَ أحداث غريبةً واضحةً. وفي غداةِ اليومِ التالي، في الساعةِ التاسعةِ صباحا اجتمعَ في فندقِ الملكِ داوودْ في القدسِ الأشخاصِ الذينَ منْ المقررِ أنْ يجلسوا على منصةِ التحيةِ خلالَ العرضِ العسكريِ في ذلكَ اليومِ. ومنْ مصرَ وصلتْ أنباءً أخرى غامضةً أيضا. ولكني تلقيتُ أنباءٌ أكيدةٌ عنْ تحركاتِ الجيشِ المصريِ عندما وقفنا على منصةِ التحيةِ لاستعراضِ العرضِ العسكريِ في القدسِ: الأنباءُ تقولُ إنَ جيشا مصريا يتحركُ في شوارعَ القاهرةِ شرقا نحوَ قناةِ السويسِ. فأجريتْ مشاوراتٌ أوليةٌ معَ رئيسِ الحكومةِ ووزيرِ الدفاعِ. واقترحتْ أنْ نستعدَ معَ قواتنا النظاميةِ فقطْ بدونِ تجنيدِ قواتِ الاحتياطِ "
يعترفَ باتريكْ سيلْ في كتابهِ الذي يمجدُ فيهِ حافظْ الأسدْ. بمسئوليةِ سورية عنْ الدفعِ باتجاهِ حربِ 67 وتوريطُ جمالْ عبدِ الناصرْ. ويعترفَ أيضا بمسئوليةِ وزيرِ الدفاعِ آنذاكَ حافظْ الأسدْ، ويبدي استغرابهُ منْ سلوكِ النظامِ الذي لمْ يحاربْ، ويشيرَ معَ ذلكَ، إلى صديقهِ حافظْ الأسدْ بطريقةٍ عاطفيةٍ ويقولُ " إنهُ يومُ 12 يونيو 1967 لمْ يكنْ الأسدُ قادرا على النومِ، فوقعَ مغشيا عليهِ منْ التعبِ في وزارةِ الدفاعِ " ليضفيَ عليهِ مزيدٍ منْ التأثرِ لما حدثَ وإحساسٌ بالمسئوليةِ. ويستنتجَ سيلٌ، أنَ واقعةَ سقوطٍ حافظْ الأسدْ مغشيا عليهِ، أيقظتْ الأسدِ أكثرَ منْ أيِ شيءٍ آخرَ، كما جعلتهُ تلكَ الواقعةِ مخططا ومفكرا استراتيجيا في ميدانِ السياسةِ الدوليةِ. الدروسُ التي استقاها الأسدُ منْ هذهِ الحربِ هيَ "ضرورةُ بناءِ قاعدةِ شخصيةٍ لهُ في القواتِ المسلحةِ على غرارِ ما يفعلهُ زعماءُ القبائلِ".
ويستطرد سيل:" لذلكَ راحَ الأسد يستقطبُ الولاءُ لنفسهِ عنْ طريقِ تقديمِ الخدماتِ والمنحِ، وكانَ هذا يحصلُ معطوفا على مواقفَ سياسيةٍ جديدةٍ باتَ الأسدُ يدعو إليها في مواجهةٍ المسؤولينَ الآخرينَ: السلبيةَ حيالَ الفدائيينَ، إعادةُ النظرِ بالصراعِ الطبقيِ والانفتاحِ العربيِ..
الحقيقةُ أنَ التاريخَ لنْ يرحمنا لوْ قرأناهُ كما صدروهُ إلينا.
هناكَ تطابقٌ تامٌ بينَ عواملِ فشلِ القادةِ العسكريين في سورية وفي مصرَ لمواجهةِ حربِ 1967. حربُ 1967 التي خاضها العربُ. نموذجٌ صارخٌ على تخاذلٍ حافظْ الأسدْ في سورية، وقتُ أنْ كانَ وزيرا للدفاعِ.
فقدْ كانَ اللواءُ حافظْ الأسدْ، هوَ القائدُ العامُ للقواتِ المسلحةِ ووزيرَ الدفاعِ السوريِ، وكانَ المشيرُ عبدَ الحكيمْ عامرْ، هوَ القائدُ العامُ ووزيرُ الدفاعِ الفعليِ في مصرَ. كانَ هناكَ وزيرُ دفاعٍ بصورةٍ شكليةٍ فرضهُ عبدُ الحكيمْ عامرْ على جمالْ عبدِ الناصرْ هوَ العقيدُ شمسَ بدرانْ.
الغريبَ أنَ المشيرَ عبدَ الحكيمْ عامرْ، والذي كانَ يحكمُ سورية وقتَ الوحدةِ، خاضَ الحربَ في مصرَ وزيرا للحربيةِ. وكأنَ القدُرَ قدْ خططَ للدولتينِ نفسِ المصيرِ على يديْ وزيريْ حربيةً مستهترينَ. كانَ الرجلانِ جديرينِ بالهزيمةِ. فلمْ يدرسْ أيُ منهما أيَ دراسةٍ عسكريةٍ. كما أنَ كلا منهما كانَ ضابطا صغيرا، وتمتْ ترقيتهما إلى أعلى رتبةٍ عسكريةٍ.
منْ المعروفِ أنَ حافظْ الأسدْ كانَ قدْ تمَ فصلهُ منْ الجيشِ السوريِ بعد استيلاءِ حزبِ البعثِ على السلطةِ في انقلابِ الثامنِ منْ مارسَ 1963، وأعادهُ إلى الخدمةِ العسكريةِ الرفيقَ صلاحْ جديدْ وقامَ بترقيتهِ منْ رتبةِ رائدٍ إلى رتبةِ لواءٍ وعينهُ قائدا للقواتِ الجويةِ. وفي عامِ 1966 قادَ صلاحْ جديدْ انقلابا على القيادةِ القوميةِ لحزبِ البعثِ، وتسلم حافظْ الأسدْ وزارةَ الدفاعِ، ومنْ خلالها تمَ سقوطُ واحتلالُ الجولان المعروفِ.
وكان عبدِ الحكيمْ عامرْ قد تَمتْ ترقيةَ عامِ 1953 منْ رتبةِ رائدٍ إلى رتبةِ لواءٍ متجاوزا ثلاثَ رتبٍ، كانَ يجبُ أنْ يمرَ بها قبلَ ترقيتهِ وإسنادُ قيادةِ القواتِ المسلحةِ ووزارةُ الدفاعِ إليهِ، وعقبَ إعلانِ الجمهوريةِ العربيةِ المتحدةِ بينَ مصرَ وسورية تمتْ ترقيةَ عامرٍ إلى رتبةِ مشيرٍ، بالرغمِ منْ أنهُ لمْ يكنْ لهُ أيُ تاريخِ منْ الإنجازاتِ العسكريةِ. في عامِ النكسةِ كانَ العقيدُ شمسَ بدرانْ وزيرا للحربيةِ. وكانَ المشيرُ عبدَ الحكيمْ عامرْ القائدِ العامِ للقواتِ المسلحةِ.
[يتبع]