ما بين البطولات والعقائد
اسعدتنى الظروف ان اعاصر بعض اللقاءات والمساجلات التى تمت فى التسعينيات بين اعداداً كبيرة من قيادات وعناصر الجماعات الاسلامية والجهاد وبين العديد من رجال الدين والفكر والامن فيما عرف بالمراجعات الفكرية والسجالات الدينية التى كانت تناقش الفكر المتشدد لتلك الجماعات ومصادره واسبابه وازعم ان تلك المبادرة التى تبنتها وزارة الداخلية فى هذا الوقت قد حققت نجاحات ملموسة نتج عنها اطلاق عدة مبادرات من قبل تلك الجماعات كان اهمها مبادرة وقف اعمال العنف وإصدار ثلاثة كتب تضمنت اعادة النظر فى بعض افكار الجماعات المتشددة والتى ترتب علي اثرها الافراج عن اعداداً كبيرة منهم بعضهم كان بالفعل قد اقتنع بتلك المراجعات وقلة منهم تظاهرت بذلك كى يتم الافراج عنها ومن بينهم عاصم عبد الماجد.
والحقيقة انه خلال تلك اللقاءات التى حضرتها تردد اسم المرجعيات الدينية التى كانت هذه الجماعات تستند الي افكارهم وكان من بينهم ابو الاعلى المودودى ثم ابن تيمية الحنبلى....وكان يطلق عليه ذلك لاعتناقه المذهب الحنبلى المتشدد الى حد ما...ثم افكار الاخوانى سيد قطب وجميعها كانت تؤيد فكرة استخدام العنف كوسيلة للجهاد لتغيير سلوكيات المجتمعات وانظمة الحكم بها.
بطبيعة الحال كان لابد لى ان اراجع كتابات تلك المرجعيات لآقف على افكارهم التى كانت تعتبر المعين الذى تستمد منه تلك الجماعات قناعاتها وافكارها كميثاق عمل لهم لتحقيق اهدافهم....والواقع اننى هنا لست بصدد ان اناقش تلك الافكار ولكن رأيت انه من اللازم ان اتحدث عن محاولات إقحام افكار الشيخ/ ابن تيمية فى احداث مسلسل الاختيار الذى يتحدث فى الاساس عن بطولات الصاعقة المصرية بصفة عامة والشهيد احمد المنسى بصفة خاصة.
جميعنا كان يتابع بفخر واعجاب أحداث هذا المسلسل الذى يسطر بطولات الصاعقة فى مناطق سيناء وايضاً على الحدود الغربية للبلاد وكانت الحوارات البسيطة والعميقة فى ذات الوقت التى تدور بين شخصية الشهيد المنسى وبين زملائه وابناء كتيبته بل وبينه احياناً وبين بعض الاشخاص الاخرى مثل والدة الارهابى الذى فجر نفسه وهو يحاول اقتحام معسكر قوات الصاعقة وغيرها من الحوارات العابرة والتى كانت كفيلة بأن تحقق الهدف المعلن من عنوان المسلسل "الاختيار" بين الخير والشر... او بين الاعتدال والتطرف.... او بين الامن والارهاب....الا اننى فوجئت كما فوجئ معظم المتابعين بإقحام فقرة دينية فى احدى الجلسات التوعوية لكتيبة الصاعقة التى يرأسها المقدم / احمد المنسى ليستضيف فيها الشيخ/ رمضان عبد المعز الذى تحدث عن فكرة التكفير ثم انبرى يتحدث عن افكار ابن تيمية وان افكاره فى مجملها معتدلة الا ان الارهابين يأخذون منها ما يتعلق بفريضة الجهاد والعنف....وبعد ذلك وفى حلقة اخرى استضاف المنسى احد الاشخاص "مجهولى الهوية" الذى طلب منه تقديم معونة مالية لمساعدة بعض الفقراء والمحتاجين ثم انبرى هو الاخر للدفاع عن ابن تيمية وافكاره وانها إجتزئت من فحواها واخذ منها جانب العنف فقط دون جانب التسامح والرأفة.
وقد تسبب ذلك فى حالة من اللغط والتخبط بين المشاهدين والمتابعين حيث ان تناول مثل هذه الامور العقائدية لا يمكن ان تعرض وتناقش بهذه السطحية والسذاجة والتى جعلت البعض يتساءل.... طالما افكار هذا الرجل لا تحض على العنف وان هؤلاء الارهابين يعتنقونها فلماذا اذا نحاربهم ونقاتلهم؟ وبالتالى فنحن هنا نقتل الارهابين فقط ولكننا لا نقضى على الافكار التى اعتنقوها والتى يحاول المسلسل ان يرسل لنا ما يشير الى انها ليست بالضرورة تحض على العنف والارهاب والقتل والترويع.
ما هكذا يا سادة تناقش الامور التى تتعلق بالعقائد اطلاقاً.....نحن نعرض مسلسلاً الهدف منه ابراز جانب معين من جوانب البطولة والفداء وكاذ ان يتحقق ذلك حتى ادخلنا عليه دقائق معدودات لم يكن لها اى مبرر لمناقشة فكر رجل اعتبره التكفيريون مرجعاً وهادياً ومرشداً لهم.
كنت اتمنى ان يسير المسلسل على ماكان عليه دون الدخول فى جدل فقهى ابطاله ابعد ما يكونوا مؤهلين لمناقشته واذا كان ولابد فلماذا لا نعرض مسلسلاً اخر اتناول فيه بإسهاب وتفصيل افكار وتوجهات هذا الرجل سواء كانت سلبية او ايجابية على افكار الشباب واناقشها بكل الحيادية والموضوعية للوصول الى الهدف الذى اسعى الى تحقيقه؟.
اننى اليوم اتساءل هل من الممكن ان نحاور ونجادل هؤلاء التكفيريين والارهابين بالتى هى احسن؟ وهل هم مؤهلين لذلك؟ اننى حتى الان لا اعتقد ذلك فليس من بينهم رجلاً رشيداً.
وتحيا مصر.....