قراءة في كتاب «كيف تستعد للقاء الله؟»
قال الإمام الغزالي «لن يتنعم بلقاء الله إلا من مات محبًا لله تعالي، عارفًا بالله، ولن يحبه إلا من عرفه، ولن يأنس بربه إلا من طال ذكره له، ولن يتفرغ القلب لدوام الذكر والفكر إلا إذا فرغ من شواغل الدنيا، ولن يتفرغ من شواغلها إلا إذا انقطع عن شهواتها حتى يصير مائلًا للخير مريدًا له، نافرًا عن الشر مبغضًا له».
يذكر الشيخ خالد الجندي في كتابه «كيف تستعد للقاء الله؟» أن هناك الكثير من الأمور التي يجب أن نفعلها استعدادًا للقاء الله، منها الاستقامة على طاعة الله والثبات عليها والتوبة والاستغفار والصدق والإخلاص ومساعدة الآخرين وتفريج كربهم وحسن الظن بالله تعالى بعد كل ذلك.
وسوف نتناول في هذا المقال معنى الاستقامة وفضلها وشروط التوبة وأوقاتها:
(1) الاستقامة
قال الله تعالى في شأن الاستقامة «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون»، وقال لرسوله «فاستقم كما أمرت ومن تاب معك».
• ويقصد بالاستقامة هي التمسك بأمر الله تعالى بفعل الطاعات وأداء الفرائض والإخلاص في العبادة وترك المعاصي وكل ما نهانا الله عنه قولًا وفعلًا، سرًا وعلنًا.
• ويدخل في الاستقامة ترك الحرام البين وترك المتشابه، قال النبي صلي الله عليه وسلم: «الحلال بين والحرم بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس. فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا إن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب».
• وأهل الاستقامة ليسوا على مرتبة واحدة فمنهم المقربون ومنهم المقتصدون أما الظالمون لأنفسهم فإنهم ليسوا من أهل الاستقامة المطلقة. قال الله تعالى «خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئا»، كما الاستقامة تكون بترك الإفراط وهو المغالاة والابتداع في الدين، قال الله تعالى «تلك حدود الله فلا تعتدوها».
• وقد قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: «الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب».
(2) التوبة:
• من أحب الأعمال إلى الله تعالى وهي سبب الفلاح في الدنيا والآخرة، ومن فضل الله على عباده أن جعل باب التوبة مفتوحًا للعبد ما لم يغرغر.
• وقد ذكر الإمام النووي ثلاث شروط للتوبة وهي أن يقلع المرء عن المعصية، أن يندم على فعلها، أن يعزم ألا يعود إليها أبدًا، فإن فقد أحد الشروط الثلاثة لم تصح توبته، وإن كانت المعصية تتعلق بإنسان فيزيد شرط آخر للتوبة وهو أن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالًا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف أو نحوه مكنه منه أو طلب عفوه وإن كانت غيبة استحله منها.
• والتوبة سبب لمحبه الله تعالى للإنسان عندما ينيب إليه بعد أن عصاه ويندم على فعله، قال الله تعالى «إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين».
• ومن فضائل التوبة أنها سبب للفلاح: قال الله تعالى «وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون».
• ومن فضائل التوبة أنها تكفر السيئات: قال الله تعالى «قل لعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم»، وقال تعالى «يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار».
• التوبة تبدل السيئات حسنات إذا حسنت: قال تعالى «إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا».
• التوبة سبب لنزول المطر وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين قال تعالى على لسان هود عليه السلام «ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين»، وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام «فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا».
وقت التوبة:
التوبة مطلوبة في كل وقت خاصة عندما يقترف العبد الذنب، ولكن هناك أوقات لا تقبل فيها التوبة وهي حين تطلع الشمس من المغرب وهو أحد علامات الساعة الكبرى، يقول صلى الله عليه وسلم «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»، ولا تقبل التوبة عند حضور الأجل ومعاينة الموت يقول الله عز وجل «وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن».
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «اجلسوا إلى التوابين فإنهم أرق أفئدة»، وقال الحسن البصري رحمه الله «يا ابن ادم ترك الخطيئة، أيسر من طلب التوبة».