وائل خورشيد يكتب: شيء وقر في قلبه
لهذا الكون ميزان، ولله قوم يسخرهم لأشياء هم أنفسهم لا يعرفون عنها شيئا، ولا يعرفون حتى أنهم أهل لها. يعيش بيننا أبطال كثُر، نحن لا نعرفهم، ولا هم يعرفون أنهم كذلك، يمرون بجوارنا ومن حولنا طوال الوقت ولا نشعر بهم، ولكن عندما تحين اللحظة.. فإن كل شيء يختلف. ثم يعودون للظل مرة أخرى.
• هي أشياء لا تشترى (أمل دنقل)
مثلا نذكر واقعة الشهيد بإذن الله الجندي علي علي، والذي وقف في الهجوم الإرهابي على كمين البرث، كما الأبطال، عامل الجبس، الذي قاده القدر ليكون ضمن أفراد كتيبة الصاعقة التي يقودها الشهيد بإذن الله أحمد منسي، ثم يقوده القدر لمعركة لم يتصور يوما أنه سيكون جزءًا منها، ثم يجعل منه القدر بطلا.. أعتقد هو نفسه لم يفكر يوما أنه قادر على أن يفعل ذلك، كما أعتقد أنك أذا رأيته في أي وقت مرتديا ملابس العمل، وسط الجبس، فإنك لن تقول إنك أمام شاب يحمل قلب بطل.
في منطقة أخرى، حدثت واقعة أخرى، قبل أيام، إذ منع سائق شاحنة وقود يدعى طلعت سالم حسين، مأساة كبرى، بعد أن اشتعلت النيران في شاحنة وقود بينما كانت تفرغ حمولتها في أحد محطات البنزين بمنطقة العاشر من رمضان. حالة الخوف والهلع من حوله، كان من الطبيعي أن تصيبه هو أيضًا، فيركض بعيدا لينقذ حياته، ولكن شيء ما في نفسه منعه عن التفكير، وقاد الشاحنة بعيدا، حتى تنفجر في الصحراء، فلا تخلف خسائر بشرية.
الواقعة نفسها يمكن أن تكون عملا فنيا مكتمل الأركان، رأيت فيلما للممثل الأمريكي الشهير دينزل واشنطن يشبه هذا، فيلم Unstoppable، والذي كان يعمل فيه قائدا للقطارات ويحاول طوال الفيلم السيطرة على قطار خرج عن السيطرة، وببسالة تمكن من إيقافه. فيلم بالكامل يدور عن تلك الواقعة، والتي بطلها شخص عادي جدا، لا يراه أحد في الحياة العادية مرتديا زي سوبر مان مثلا، أو يتسلق على الحوائط مثل سبايدر مان.
هذه الوقائع التي ذكرتها تتكرر كثيرا في الحواري والشوارع عن اندلاع حريق مثلا، أنا شهدت مثلها، ربما جميعنا رأينا أو سمعنا عن بعضها، عن أشخاص فعلوا بطولات، ثم تواروا ولم نسمع عنهم بعد ذلك.
• النجوم ليسوا هم الأبطال دائما
لدي إيمان بأن الأبطال ليسوا هم النجوم، وذكرت نفس المعنى أكثر من مرة، قد يعتقد البعض أني أقول ذلك لعدم قدرتي على أن أكون نجما، وأنا أتفق معهم، لا يمكنني أن أكون نجما، فهذا يتطلب نقصا لا أحتمله، لا أعيب في النجوم، ولكن أؤكد، وكل يوم أتأكد، أن النجوم ليسوا هم الأبطال.
لا أعرف لماذا يعلق في ذهني هذا التصور الذي يقول إن النجم أكثر الناجحين نقصا، لأن النجومية ترافقها السياسة، والسياسة تقتضي التلون، والبطل لا يمكن أن يكون إلا نفسه، فلن يُلق أحدهم بنفسه في النار، إلا إذا كان مؤمن بما يفعل، وليس لكي تلتقط له صورة.
طوال الوقت أشعر بداخلي بشعور غير متقبل للنجوم لحد بعيد، دائما أحب النظر للهوامش، وما وراء الصورة، الحكايات الصغيرة التي تشكل الصورة الكبيرة، التروس الصغيرة التي تحرك الماكينات العملاقة، هؤلاء الذين يعيشيون ويموتون في صمتٍ ولا يشعر بهم أحد.
أرى النجوم طوال الوقت، الذين يتعاملون مع الجمهور، عليهم أن يكونوا على غير طبيعتهم، وأن يصدّروا صورة مثالية عن أنفسهم، وبالطبع عليهم أن يحافظوا على حياتهم لكي تكتمل مسيرة النجومية، وهذا التفكير في حد ذاته يوقف الأعمال البطولية.
النجومية قيد للحرية، تمنعك من أن تكون نفسك أغلب الوقت، ربما حتى مع الوقت تشعر بأنك حتى تعاني من ازدواج في الشخصية، حيث تعيش أمام الناس بشكل وبعيدا عنهم بآخر، وعندما تخفت الأنوار عنك، قد تفعل أي شيء، وأعني أي شيء، حتى تعيدها لك مرة أخرى. محاولات يائسة تنتهي بحالات اكتئاب وربما انتحار، إلا من كانت نفسه سوية ومتوازنة بقدرٍ كافٍ ليحمي نفسه من هذا المصير.
يقول الدكتور مصطفى محمود في روايته "المستحيل": "لا أستطيع أن أكون شيئًا آخر غير نفسي، أُفضل أن أعيش حياة صغيرة أملكها على أن أعيش حياةً كبيرةً تملكني. أريد أن أكون حرًا. أريد أن أقطع صلتي بكل ما يُفرَض عليَّ من واجبات لا أحبها".
• لا تستحدث من العدم (قانون حفظ الطاقة)
لا يمكن لأحدٍ أن يكون بطلا في كل شيء، كل واحد منا يمكن أن يكون بطلا في وقتٍ معين، الطبيب والضابط والموظف وسائق الشاحنة والصحفي، حينما تتوفر العوامل والظروف، وهي أشياء لا يمكن ترتيبها، ستجد نفسك فجأة في المكان والزمان وتملك الروح والطاقة المناسبة للمهمة، وهي أشياء لم تكن تعرف عنها شيئا.
فيديو انتشر على مواقع التواصل لأهالي منطقة سكنية يلتفون حول أسطوانة غاز مشتعلة بالنيران ليطفئوها، ورجل حاول إنقاذ آخرين سقطت سيارتهم في ترعة، فنجح في إنقاذ اثنين ثم توفي هو.
ما هو الشيء الذي يمكن أن تعطيه لأحدهم مقابل حياته؟، لا شيء، إنما فقط شيء وقر في قلبه.