سند المحاربين.. أسر أطباء الحجر الصحى: «مبنامش من القلق»
مع كل لحظة تمر عليهم، تموت من القلق والخوف ١٠٠ مرة أسر الأطباء العاملين فى المستشفيات المخصصة لعزل وعلاج المصابين بفيروس كورونا المستجد خشية تعرض أبنائهم الواقفين فى خطوط الدفاع الأولى ضد الفيروس لأى سوء.
ولا تقتصر مأسأة عائلات أكثر الفئات تعرضًا لانتقال العدوى بالفيروس على غياب أبنائهم عنهم لأسابيع متواصلة، بل يزيد الأمر قسوة حاجتهم إلى فرض عزل ذاتى لمدة ١٤ يومًا على أنفسهم داخل منازلهم بعد العودة فى إجازة من العمل، فلا يستطيعون إشباع شوقهم لأطفالهم وزوجاتهم وآبائهم وأمهاتهم، ثم يعودون مرة أخرى لأداء واجبهم الوطنى.
«الدستور» تحاور عددًا من أفراد أسر الأطباء العاملين فى مستشفيات الحجر الصحى عن أبرز ما يعانونه من صعاب فى ظل غياب أبنائهم، وكيف يقضون أيامًا من القلق والخوف أثناء عملهم فى هذه المستشفيات، بجانب طرق التواصل معهم.
زوجة أحمد: يرى طفلنا المولود عبر الـ«فيديو كول»
قالت بسمة إبراهيم درويش، زوجة أحمد مصطفى إبراهيم، مدرس مساعد بكلية الطب جامعة الإسكندرية إخصائى عناية مركزة فى مستشفى العجمى للحجر الصحى، إنها لم ترَ زوجها مدة ٣ أسابيع، نظرًا لعدم قدرته على مغادرة عمله بسبب خطورة المهمة التى يؤديها فى المستشفى.
وأضافت «بسمة»: «أستطيع بالكاد التواصل مع زوجى عبر (الفيديو كول)، الذى يسمح لى برؤيته، ويستطيع هو كذلك أن يرانى أنا وطفلنا المولود حديثًا»، متابعة: «الأمور كانت ستصبح أجمل لو كان معنا الآن».
وأشارت إلى خوفها الشديد على زوجها من العدوى، وتعرضها لضغوطات كبيرة، مثل كل أسر الأطباء، جعلها تتخيل سيناريوهات مرعبة، ما يؤثر سلبًا على مسار حياتها، ويجعلها فى حاجة دائمة للاطمئنان عليه بشكل دائم، لكن عزاءها الوحيد أنه يؤدى مهمة إنسانية، ويساعد المرضى الذين يحتاجون إليه أكثر.
واختتمت: «أملى فى الله كبير، وأدعو له دائمًا بالخير، وأدعو بالسكينة والسلام لجميع أسر الأطباء والتمريض».
زوجة هيثم: يخشى لمس أولاده فى أيام الإجازة
تعيش مى مصطفى على، زوجة الدكتور هيثم صابر مليجى، مدرس واستشارى العناية المركزة بكلية الطب جامعة الإسكندرية، فى حالة قلق وخوف دائمين بسبب طبيعة عمل زوجها كطبيب عناية مركزة فى مستشفى العجمى للحجر الصحى.
وأوضحت السيدة «مى» أن زوجها يقضى ١٤ يومًا فى عمله، ثم ١٤ يومًا أخرى داخل الحجر الصحى، خوفًا من أن يكون حاملًا الفيروس، مشيرة إلى أنها لم تره منذ شهر تقريبًا، لكنها تقدر ذلك وتعلم مدى المسئولية الملقاة على عاتقه، وتدرك جيدًا أن طبيعة عمله تحتم عليه المخاطرة والبقاء بجانب المرضى والمصابين معظم الوقت.
ولا تقتصر المأساة على غيابه عنها وأسرته منذ شهر، فهو كما تقول «عندما يأتى إلى المنزل فى إجازة يخشى احتضان أولاده أو لمسهم، ويكون خائفًا عليهم أكثر من نفسه»، واصفة هذه الفترة بأنها مرهقة جدًا على كل عائلات الأطباء والممرضين والعاملين فى مستشفيات الحجر الصحى، وتشهد معاناتهم من شد أعصاب متواصل، لكن خدمة الوطن أهم وأولى فى مثل هذه الظروف.
وكشفت عن أنها تتواصل وأولادها مع زوجها عبر «مكالمات الفيديو»، مشيرة إلى أن هذه هى «طريقتنا الوحيدة فى التواصل معه والاطمئنان عليه وتهدئة القلق فى نفوسنا.. إحنا مش بنام من الخوف والقلق عليه سواء أنا أو أولاده».
وبينت أن مهمة زوجها هى الأصعب على الإطلاق، لكونه طبيب عناية مركزة، وأطباء العناية يعتبرون حياة المريض أولى من حياتهم، لذا فإن القلق عليه يكون مضاعفًا؛ لأنه معرض للعدوى فى أى وقت، داعية الله أن تمر هذه الأزمة والغمة على خير، حتى تطمئن قلوب الجميع، ويذهب القلق وتعود الطمأنينة لتعم البيوت من جديد.
زوجة حاتم: تعرضت لإجهاض أثناء غيابه
حياة أسرة الطبيب حاتم الملاح، مسئول رعاية الحالات الحرجة فى مستشفى ١٥ مايو، لا تختلف كثيرًا عن حال الأسر التى يعمل أبناؤها كأطباء، سواء فى الخوف الشديد على أبنائهم لعملهم مع الخطر مباشرة، أو فيما يتعلق بغيابهم عنهم فترة طويلة، وصولًا إلى التزامهم بإجراءات وقائية واحترازية مشددة عند العودة إلى منازلهم.
وقالت زوجة د. «حازم»: «بعد انتشار فيروس كورونا المستجد لم يخطر ببال زوجى أن يعمل فى مستشفيات الحجر الصحى، لكن عندما عرضوا عليه الأمر لم يتردد لحظة واحدة، رغم أن زواجنا لم يمر عليه سوى أشهر قليلة».
وأضافت: «كنت أشعر بالخوف الشديد عليه عندما قرر أن ينزل للعمل فى أحد مستشفيات الحجر الصحى، لكنه اعتبر أن ذلك دوره ولا يستطيع أن يتأخر عنه، خاصة أنه متخصص فى رعاية الحالات الحرجة ويمتلك خبرة جيدة فى ذلك، وهو ما قدرته ولم أعترض عليه».
وأشارت إلى أن عمله فى مستشفى ١٥ مايو يمتد طوال ١٤ يومًا، ثم يعود إلى المنزل ويعزل نفسه فيه لمدة ١٤ يومًا أخرى، مبينة أنه «قبل عودته للمنزل بياخدوا منه مسحة للتأكد من سلامته، خاصة أنه يتعامل مع حالات إيجابية، كما أننى أقابله على الباب بالمطهرات اللازمة».
وكشفت عن أن زوجها عرض عليها كثيرًا الذهاب إلى أهلها فى كفر الشيخ، لكنها رفضت وأصرت على أن تظل فى منزلهما إلى جواره، لافتة إلى تعرضها للإجهاض أثناء عمله فى المستشفى، ولحظتها تمنت لو يكون بجانبها فى هذه اللحظة، لكنها كانت مدركة أنه يؤدى واجبًا إنسانيًا ووطنيًا، وهو ما تقدره بشدة، معربة عن أملها فى أن ينتهى الوباء ويعود لها زوجها سالمًا.
والدة مصطفى: عمله «واجب».. ملتزم بإجراءات الوقاية.. وأنصح الشباب بعدم التأخر عن خدمة بلدهم
وصفت والدة مصطفى درار، أحد أطباء الحجر الصحى فى مطار القاهرة، عمل ابنها الخطير بأنه «واجب وطنى»، ويأتى فى إطار الرسالة السامية التى يؤديها كل أفراد الأطقم الطبية، رغم خوفها وقلقها عليه.
ونصحت والدة «مصطفى» الأطباء، خاصة الشباب منهم، بألا يتأخروا عن خدمة بلدهم، وأن يدركوا أن مصر تحتاج، فى الوقت الحالى، لمجهوداتهم وخبراتهم، وكذلك إلى الشباب المتطوع فى حملات التوعية بشأن طرق الوقاية من الإصابة بالفيروس.
وكشفت عن أن ابنها ملتزم بالإجراءات الوقائية والاحترازية اللازمة لحماية نفسه من خطر انتقال العدوى إليه، سواء فى مقر عمله، أو داخل منزله بعد العودة من مطار القاهرة، كما أنه دائمًا ما كان يحافظ على نظافته الشخصية، حتى من قبل انتشار «كورونا».
وأوضحت أن «مصطفى عمره ما تعبنى ومتفاهم جدًا، وملتزم بكل إجراءات الوقاية داخل المنزل، وعلى رأسها وضع ملابسه فى مكان محدد خاص به، لتعقيمها قبل غسلها، إلى جانب غيرها من الأمور التى تقيه وأفراد أسرته انتقال العدوى».
من جهته، قال الطبيب الشاب إنه حاصل على شهادة فى مكافحة العدوى، واستطاع أن يقنع والدته بالعمل فى الحجر الصحى، واصفًا إياها بـ«البطلة»، وكذلك والده الذى يطمئن عليه بشكل يومى، ويشجعه جدًا على أداء رسالته والمساهمة فى تجاوز الوطن لأزمة فيروس «كورونا المستجد».
أحمد: زوجتى لا تستطيع عزل نفسها عن طفليها لسنهما الصغيرة
أعرب أحمد سمير، زوج الدكتورة سمر سليمان، طبيبة الرعاية فى مستشفى الصدر بالمنصورة، عن تقديره الكبير لقرار زوجته بالتطوع للعمل فى أحد مستشفيات عزل وعلاج مصابى «كورونا».
وقال «سمير»: «القرار كان فى غاية الصعوبة وجريئًا، ويعكس شعورها بالمسئولية تجاه مصر وأهلها، وشجعتها على اتخاذه رغم خوفى من إصابتها بالعدوى وانتقال الفيروس لى ولأطفالى، خاصة أنها تتعامل مع كثير من المرضى المصابين بالفيروس سريع الانتشار».
وأضاف: «لدى طفلان عمراهما ٣ و٦ سنوات فقط، وأشعر بالقلق عليهما لأن زوجتى تركتهما لتؤدى واجبها، وللأسف عند عودتها لا تستطيع عزل نفسها عنهما ١٤ يومًا، لأنها ترعاهما بحكم سنهما الصغيرة».
ووصف ذلك بأنه «ضريبة يدفعها الأطباء الذين يخاطرون بأرواحهم وبأمان عائلاتهم»، مشددًا على أن زوجته تطوعت واتخذت قرارها بكامل إرادتها، وأصرت عليه لأنه واجب تؤديه تجاه وطنها.
والدة عثمان: بدعيله دايمًا «ربنا يهونها عليك وكل اللى زيك»
تحرص ليلى أحمد، والدة الدكتور محمد عثمان السيد، مدرس مساعد طب حرج وعناية مركزة بالإسكندرية أحد أطباء مستشفى «النجيلة» للحجر الصحى بمطروح، على الدعاء بشكل دائم لنجلها، وتحديدًا دعوة «ربنا يهون عليك».
وقالت السيدة «ليلى» إنها لا ترى ابنها طوال الفترة التى يقضيها فى عمله داخل مستشفى الحجر الصحى بمطروح، وتشعر بخوف شديد من إمكانية إصابته بالعدوى خلال هذه الفترة، مشيرة إلى أنها تدعمه نفسيًا حتى لا يصاب بالاكتئاب بسبب طبيعة عمله، والظروف التى تمر بها البلاد جراء انتشار وباء «كورونا».
واختتمت: «شايلة همه دايمًا، وبدعيله ربنا ينصره هو وكل اللى زيه، ويهونها عليهم وعلى الشعب المصرى، ويارب نعدى الأزمة دى على خير».
وكشفت الدكتورة مروة بسيونى، زوجة طبيب العناية المركزة، عن أنه يتواصل مع أفراد أسرته بصورة دائمة عبر تطبيق المحادثات «واتساب»، مع إمكانية التواصل فيما بينهم صوتًا وصورة عبر «مكالمات الفيديو»، وذلك «حال سمحت شبكة الإنترنت الضعيفة جدًا بذلك».
وقالت الزوجة: «دايمًا بيسأل علينا على واتساب وماسنجر، وبيتابع البيت ويشوفنا إذا كنا محتاجين حاجة أو لا، وبيسألنا عن أخبار بنته أولًا بأول»، مشيرة إلى أنها لا تراه طوال فترة وجوده فى الحجر الصحى، ودائمًا ما تدعو له بالنصر وأن يحفظه الله من كل سوء.