عبدالرحيم كمال: الفن خلاص العالم من كورونا.. وبحر الإسكندرية «فتنتي التامة»
تنهل أعمال السيناريست عبد الرحيم كمال من ضفاف المتن الصوفي، سواء أعماله الروائية؛ "المجنونة، وباب الحانة، وأبناء حورة" أو التليفزيونية، ومنها "الرحايا، الخواجة عبد القادر، دهشة، يونس ولد فضة، ونوس، واهو ده إللي صار" وغيرها، كما يلامس الكاتب سقف الفلسفة؛ حيث يرى المستقبل للعلم والفن، ويسعى بشغف للدق عليهما في غالبية أعماله الدرامية.
وحول حديثه لـ"الدستور" عن مستقبل مقولاتة العلمية والاستشرافية فيما يخص تللك الأزمة الرهيبة لجائحة "كورونا".
- كيف تنظر للمجتمع والعالم في ظل كارثة كورونا؟
"كورونا" فرصة عظيمة للاقتراب من بعضنا البعض، وبالتالي استرجاع الفن لجزء من إنسانيته المفقودة، والتواجد الإجباري بيننا البعض سيعيد الفن لسمة واقعية افتقدها والعلم سيخرجنا من الورطة والفن سيكون المساعد دائما على استمرار الحياة، فالخيال هو الأب الشرعي لكل من العلم والفن، وفيهما الخلاص والقدرة على تحمل الحياة وإعادة صياغتها وتجميلها أيضا.
- هل ستؤثر جائحة كورونا على مستقبل السرد؛ على مستوى الشكل والمحتوى والتقنية؟
ربما يصير السرد أقل كذبا وأكثر صدقًا، ربما يتم بعد كورونا فرزا شاملا تاما وغربلة حقيقية من خلال غربال متسع العيون، فتسقط منها كل حالات المديوكر ومتوسطي وعديمي الموهبة الذين سادوا في الفترة الأخيرة، ربما يكون سببا في ظهور مواهب كبيرة ومناخ أدبي أقل فسادا؛ أدب يستعيد الجمهور الحقيقي.
- عن مسارك الأدبي، كيف استفدت من بداياتك أو تجلياتك الكتابية الأدبيية في مشروعك الدرامي والعكس؟
الأساس الأدبي والمسرحي والشعري ككاتب وقبلها كقارئ ومتذوق فرقوا بالتأكيد في خيالي كإنسان قبل كل شيء، لا أتصور كاتبًا دراميًا لا يتذوق الشعر والرواية والمسرح والفن التشكيلي والموسيقى، كل ذلك يشكل وجدان الكاتب الدرامي فضلًا عن الموهبة والخيال واللغة والقدرة على التعامل مع عالمي الرواية والمسرحية تحديدًا قراءة وتفكيكا، وبناء عليه هي أساس في العمل الدرامي، فكانت قراءتي وممارستي للأدب جناح لا يقل أهمية عن جناح دراستي للدراما والسيناريو في معهد السينما لأربع سنوات، فالدراما بحر متسع كلما ازدادت غوصًا وسباحة فيه، كلما زاد يقينك أنك تحتاج المزيد من التعلم والمزيد من العوم والغطس والسباحة لأنك تنهل من مصادر لها علاقة بمسيرتك وتجربتك وحياتك الشخصية أيضًا، ولا يوجد كاتب دراما قرر فجأة أن يصبح ما هو عليه دون أن يلقي نفسه وحياته في ذلك البحر العميق الذي له أربابه ولها أيضا الكثير من الغرق.
- عن طغيان وسطوة الحس الوجداني والصوفي في غالبية مسلسلاتك وأعمالك الدرامية، ما الدوافع الوجوديية أو الذاتية لحفرك الجذري في هذا المسار؟
كتابة كل كاتب حقيقي هي جزء أصيل منه مثل أعضاء جسمه، والتصوف أو الحياة وفق منهج المحبة هو جزء أصيل مني ومن تربيتي ووجداني ومن عقيدتي وقناعاتي أيضا، أنا حين أكتب أكشف للقارئ والمتفرج جزءا مني، أشركه في ذاكرتي وأشتري جزء من ذاكرته، في لحظة عجيبة نتبادل فيها المعاني والمعارف والأذواق عبر ما أكتب وما يتلقى هُو، في عملية متكاملة يكون فيها الجمهور جزء فاعل وحقيقي ومشارك وانا لا اعرض ابدا على الجمهور إلا ما أصدقه وأؤمن به لذا كان الحب موجودا في تلك البضاعة الغالية الثمينة
- عن مصر ممثلة في الإسكندرية "الكوزموبوليتان" التي طرحتها في "أهو دا اللي صار"، حدثنا عنها؟
البحر يصنع موسيقى تصويرية حية لأهل الإسكندرية، والبحر هو المخلوق العظيم الضخم الذي ليس له أخر، صدمني من هوله بالنسبة لطفل صعيدي جنوبي لم يعرف سوى النيل بطيبته والجبل بجهامته، كانا جيران طفولتي، وحينما رأيت البحر وزرت الإسكندرية كانت الفتنة التامة التي اكتملت مع الوقت بموسيقى سيد درويش ورباعية داريل ومغامرة الإسكندر وسحر كليوباترا وأبيات كفافيس وريا وسكينة وخروج الملك فاروق ونهاية الملكية وتاريخ حافل، وبلد "كوزموبوليتاني" متنوع، ورحلتي الشخصية معها جعلت "أهو ده اللي صار" حلمي الشخصي وهديتي التي تليق بالبحر وبفناني الإسكندرية العظماء.
- عن علاقة الحاضر بالماضي في سياقك وموقفك، كيف تقبض أو نقبض على ماهية الخلاص أو السلوى؟
لدي مشكلة مع الزمن أحاول علاجها بالكتابة، أحاول علاج فقد الوقت والأحباب، عقارب الساعة عدو الكاتب الأول، الزمن يسرق كل شيء وأنا أحاول أن أطارده، أنا أرنب "أليس" المتأخر دائما عن موعده، المتألم بالزمن والشقي بِه، وأحاول أن ألاعبه دوما على أن أستطيع اللحاق بالأحباب أو على الأقل الإمساك بهم في نفق الذاكرة.
- تكتب الدراما والرواية والقصة، أين تجد ذاتك وتحقق وجودك؟
الدراما متعتي والحكي المتسلسل وشهرزاد وحكاوي أمي ورأسي في حجرها، السينما حلم آخر مكثف يحقق كل شيء في زمن محدود، والموضوع والقصة والسطر هو الذي يختار الثوب الذي سيرتديه فيقول لي "لأكن يا صديقي حكيا مسلسلًا أو دعني فيلمًا يشبه الحلم ًاو أعرضني على المسرح للجمهور الحي"، وأنا لا أملك إلا الطاعة، فلكل جسد ثوب يليق به
- بعد 10 سنواتـ من بدأ مشروعك الفني والإبداعي؟
للشيوخ والدروايش الفضل، مدرس لغة عربية في الإعدادية، ديستوفيسكي وشكسبير ونور الشريف وابن الفارض وجلال الدين الرومي وشيخي وكل من قابلته وقال لي كلمة لمست روحي.
- عن شخصية سيد درويش في كتابتك وحياتك، كيف ترى صدى دوره وحياته وخصوصية فنه وموسييقاه في الزمن الحالي؟
سيد درويش وموتسارت وكل فنان كانت موهبته أكبر من عمره، الموسيقى جزء من الكتابة وكل كتابة خلت منها جافة فقدت الكثير من روحها، سيد درويش جزء من البحر والبحر جزء من الإطلاق والفن، هو معنى من معاني الفن جمع بين الثقل والخفة والوطنية والإنسانية وقدم الفن في أجمل صوره وأقصر أعماره، فكان خالدًا أكثر من أصحاب الأعمار الأطول.
- ما المشروعات التي يحلم عبد الرحيم كمال بتقديمها؟
(رواية "أبناء حورة"، عمل أدبي أخذ الكثير من الوقت والتعب والخيال وانتظره بشغف طفل، مسلسل "القاهرة-كابول"، عن العاصمة وما جرى لها في السنوات الأخيرة، هو عمل درامي أنتظر اكتمال تصويره، من إخراج حسام علي وبطولة طارق لطفي وفتحي عبدالوهاب وخالدالصاوي وحنان مطاوع والأستاذ نبيل الحلفاوي، وما زال هناك الكثير من الأحلام والطموحات.