يستمر العطاء ويحيا الشهداء

يبدو أن الدولة المصرية قد كُتب عليها أن تقدم أبناءها فى معظم الميادين التى يعملون بها شهداءً لوطنهم بشكل متواصل ومستمر، حتى يتحقق لها الأمن والأمان والاستقرار، وهم، بإذن الله، أحياء عند ربهم يرزقون، فها هم رجال القوات المسلحة يضحون بأرواحهم وهم يواجهون جحافل الإرهابيين والتكفيريين فى شمال سيناء، ويحققون النجاح تلو الآخر، ولكن فى الوقت نفسه يسقط منهم الشهيد والمصاب فى تلك المواجهات، وها هم رجال الشرطة يواجهون فلول الإرهابيين الذى يحاولون القيام بأى أعمال إرهابية تصيب المواطن المصرى البرىء بالذعر والهلع وتحدث حالة من التخريب والترويع للآمنين وأيضًا يسقط من أبطال الشرطة الشهيد والمصاب ضريبة لتلك المواجهات.
ثم جاء القطاع الطبى بكل درجاته العلمية والوظيفية ما بين طبيب إلى معاون إلى عامل نظافة لمواجهة هذا الهجوم الكاسح لفيروس كورونا اللعين، ويسقط منهم من جراء ذلك الشهداء والمصابون.. إنهم أبطال المواجهات الصعبة الذين لا يعرفون الهزيمة، لأن هزيمتهم تعنى تعرض الوطن للسقوط والانهيار، وهو ما لن يحدث، بإذن الله، مادام هؤلاء الأبطال يؤدون ما عليهم بكل إخلاص وعزيمة.
ففى الوقت الذى تكثف فيه جميع أجهزة الدولة، بما فيها الأجهزة الأمنية، جهودها لمواجهة انتشار الفيروس اللعين، بدأت جماعات الشر فى استغلال هذا الأمر بكل خسة وندالة، وبدأت تعبئ نفسها مرة أخرى، وتستعد لتوجيه هجمات إرهابية تطال بها الأبرياء من أبناء هذا الوطن، خاصة خلال الفترة الحالية، وهى فترة أعياد الإخوة المسيحيين ثم شم النسيم وبداية شهر رمضان الكريم، إلا أنهم لم يتوقعوا إطلاقًا أن تلك الأجهزة الأمنية ترصدهم بكل دقة وإصرار على اجتثاث شوكتهم وخيانتهم.
ومن هنا جاء رصد تلك الخلية الإرهابية التى اتخذت من أحد العقارات المأهولة بالسكان فى منطقة الأميرية بالقاهرة وكرًا لها للتخطيط لبعض العمليات الإرهابية الجديدة، متخذة من الأطفال وبعض المأجورين عيونًا لها غير عابئة بخطورة هذه العناصر، ومدى الإرهاب والدمار الذى سوف يحدث فى تلك الأعمال الإرهابية ولا الأرواح التى سوف تتعرض للموت أو الإصابة نتيجة ذلك.
نجح الشهيد محمد الحوفى فى رصد تلك المجموعة وتتبعها، إلا أنه فضل اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية سكان هذا العقار، وظل يناشدهم بالالتزام بالتواجد داخل سكنهم، وإغلاق النوافذ، إلا أن نيران الغدر بدأت تنطلق فى إحدى هذه الشقق، وهو الأمر الذى استلزم عملية الاقتحام والقضاء على تلك الفئة الضالة وهذه العناصر الإرهابية المأجورة، وسقط الشهيد وهو يدافع عن وطنه وشعبه فى ميدان التضحية والفداء.
هذه العملية الاستباقية الناجحة استوجبت أن أتوقف متأملًا معطيات الأيام القليلة التى سبقتها، والتى تعطى انطباعًا مؤكدًا أن أهل الشر والعناصر الإرهابية لن تهدأ وسوف تستمر تواصل محاولاتها الدنيئة لإحداث حالة من التوتر والذعر بين صفوف الشعب المصرى بعدما شاهدوا هذا الاصطفاف غير المسبوق حول قيادته السياسية، وأيضًا قياداته التنفيذية والأمنية فى مواجهة فيروس كورونا اللعين، ومحاولات الدولة المصرية لتجاوز تلك الأزمة بأقل الخسائر الممكنة.
فمنذ يومين قامت قوات الشرطة بضبط كميات كبيرة من الأسلحة التى كانت فى طريقها من أسيوط إلى القاهرة، كما تمكنت القوات الجوية فى ذات التوقيت تقريبًا إحباط محاولة اختراق الحدود البرية الغربية وقامت بتدمير ١٠ سيارات دفع رباعى بالعناصر الموجودة بها كانت فى طريقها لدخول البلاد، وفى اليوم التالى نشرت صحيفة «المصرى اليوم» مقالًا تدعو فيه إلى فصل إقليم سيناء عن الوطن الأم واعتباره كيانًا إداريًا مستقلًا منفصلًا عن كيان الدولة الأصلى.
يأتى هذا فى الوقت الذى تنعق فيه أبواق خنازير الجماعة من خلال تلك الفضائيات المشبوهة لإحداث حالة من الفتنة والوقيعة بين الشعب وقياداته.. جميع تلك المعطيات استوقفتنى وجعلتنى أتساءل: هل يئس الإرهاب من تحقيق أى نجاحات فى سيناء فنقل معركته إلى المناطق كثيفة السكان واتخذ من أهلها دروعًا بشرية ومعاونين لهم؟ هل هذه المناطق سوف توفر لهم ملاذًا آمنًا فى التخفى عن أعين الأمن ومعوقًا للأجهزة الأمنية عند مواجهتهم؟ هل قام صاحب الوحدة السكنية بإبلاغ الشرطة قبل تأجيرها تنفيذًا للقانون؟
لقد كانت كثافة المتابعين للمواجهات من أهالى المنطقة من شرفات منازلهم قيدًا على عمل قوات مكافحة الإرهاب كما كان، من وجهة نظرى، نقل تفاصيل ما يجرى من تراشق إطلاق النيران من الإرهابين وقوات الأمن على منصات السوشيال ميديا والفضائيات غير موفق، لما قد يمثله ذلك من رجع صدى، قد يؤدى إلى التنبيه بضرورة تلافى أى ملاحظات سلبية أدت إلى نجاح قوات الأمن فى الوصول إليهم، والقضاء عليهم وهو إجراء أزعم أنه أدى إلى تعطيل مهمة قوات الأمن، وسقوط المقدم محمد الحوفى شهيدًا فى تلك المواجهة.
لقد كانت ثقة السيد رئيس الجمهورية فى تكليف هيئة الشرطة بمهامها فى مواجهة فيروس كورونا، ثم تأييده لها فى تصديها لمواجهة الأعمال الإرهابية التى تستهدف الجبهة الداخلية للوطن- دافعًا لها للقيام بهذا الدور على الوجه الأمثل وهو ما انعكس على أدائها إيجابًا على الوجه التالى:
- إنفاذ أحد أهم إجراءات الدولة بشأن كورونا وهو تنفيذ حظر التجول للمواطنين والتأكد من إغلاق المحال العامة، بالإضافة إلى الاستمرار فى رسالتها لمنع وضبط الجناة وتأمين المنشآت.
- ضبط الجرائم التموينية والجنائية وغيرها بالتنسيق مع قطاعاتها المختلفة كالأمن الوطنى والأمن العام والأمن الجنائى والاقتصادى بمعاونة قطاع الأمن المركزى، وقد أدى ذلك إلى ضبط العديد من محاولات جلب كميات كبيرة من المخدرات إلى داخل البلاد، كان آخرها تلك الحاوية التى تم ضبطها بميناء شرق التفريعة، وبداخلها ١٦٣٦ طربة حشيش يقدر ثمنها بحوالى ١٤ مليون جنيه، كما تم ضبط حاوية علب ألبان بها ٥ أطنان حشيش ببورسعيد بـ٢٠٠ مليون جنيه.
- مواجهة أزمات الوعى ومحاولات جماعة الإخوان الإرهابية بث الفتن والوقيعة بين أفراد الشعب، وهو ما حدث عندما رفض أهالى إحدى قرى محافظة الدقهلية دفن الطبيبة التى توفيت نتيجة إصابتها بفيروس كورونا.
- القيام بدور فعال فى مجال الخدمات الطبية والدور الصحى والوقائى.
- العمل على تطوير أداء الدوريات الأمنية حال الحظر وتقدير الأبعاد الإنسانية مع المواطنين، حيث تقدم الأغانى الوطنية لرفع معنويات أفراد الشعب فى تلك الظروف الصعبة.
- المشاركة فى تأمين المواد والسلع الغذائية من خلال منافذها المختلفة فى مبادرات «كلنا إيد واحدة» ومنافذ «أمان» للقضاء على جشع التجار واستغلالهم للظروف التى تمر بها البلاد حاليًا.
- استمرار النجاحات التى يحققها قطاع الأمن الوطنى فى رصد العناصر الإرهابية وتوجيه ضربات استباقية لها قبل تنفيذ أى عملية تستهدف أمن وسلامة البلاد وترويع العباد وكان آخرها عملية الأميرية الأسبوع الماضى.
من هذا المنطلق، فإننى ومن خلال رؤيتى لهذا الأداء الراقى والمتفانى أقول لزملائى وأبنائى من رجال الشرطة إن ما تقومون به حاليًا هو عمل تاريخى غير مسبوق.. إنها رسالة حملناها على عاتقنا بغض النظر عن أى مردود مادى أو أدبى، فيكفى هذا العمل الذى تقومون به من أجل حماية المواطن المصرى البسيط الذى يجد فيكم الأمل والسند.
وهناك رسالة مهمة أخرى لا بد من إرسالها لكل مواطن مصرى على أرض المحروسة.. إن رجال الشرطة هم أهلى وأهلك وإخوتى وإخوتك لا بد أن نساندهم فى القيام بعملهم، ونتفهم أهمية الدور الذى يقومون به وأيضًا خطورة المرحلة.. أتمنى أن تتحلى، أيها المواطن، بالوعى والصبر وألا تكون فريسة لمحاولات الوقيعة وبث الفتنة بينك وبين رجال الشرطة.. فالوطن هو شراكة بيننا جميعًا، ويجب أن نحافظ عليه ونحميه من أعدائه فى الداخل قبل الخارج، وهو الدور الذى تقوم به أجهزة الشرطة، وعلى الرغم من كل ذلك فإننى عندما تقابلت مع بعض زملاء الشهيد البطل الحوفى وجدتهم أكثر إصرارًا على مواصلة أهدافهم للقضاء على الإرهاب فى مصر، ووجدت لديهم من المعلومات والاستعدادات ما يجعلنى مطمئنًا بأنهم قادرون على تحقيق ذلك بإذن الله.
وتحيا مصر.