وائل خورشيد يكتب: لا تكن مثلهم
نمشي أغلب الوقت في قطيع، ليس لأننا دواب، لا أقصد هذا، لكن دائما هناك إطار عام نمشي فيه، مهما كان فضفاضا، فله تأثير على تصرفاتنا طوال الوقت، لا يمكننا أن نتحرر بسهولة، لأنه حين تخرج عنه، فأنت مختلف، وربما تعتبر متخلف - عن المجموع- وهذا لا يعني أنك أو أنهم على خطأ، ولكن أنت أخترت طريقا آخر، للوصول، غيرهم، وهذا بالأساس يكون منبت كل خلاف.
حينما كنا صغارا كان الكثيرون منا يعانون من تلك المعضلة، افعل كذا لكي تكون مثل فلان، ألا ترى أين هو وأين أنت؟ بينما لا يُرى من هذا الآخر سوى الجانب المشرق. هذه هي المسألة. نحن علينا أن نمضي قدما وفق مخطط آخر.
مؤلم جدا أن تحاول أن تنجح بطريقة شخص آخر، أو تعيش مثله، أو أن تكون مضطرا لأن تفعل الأمور بطريقته، لأنها وصفة النجاح، كما يعتقد المجموع.
طوال حياتي كنت أطارد وصفة النجاح تلك، ولم أعثر عليها أبدا، فهي ليس لها وجود، اسأل أي نجاح حولك، كل واحدٍ له قصة وحكاية، مستحيل أن تتطابق كل الأشياء، طريقته، وطريقة الحياة، لأنه لو حدث، فأنتما نسخا مكررة، وهذا أمر غير موجود، ربما نحن كبشر خلقنا متشابهين في أشياء كثيرة، لكننا لسنا نسخا متطابقة، كل واحد منا له حيز في هذا العالم.
بالخبرة، كلنا عرفنا طريقة شهيرة للوصول، وهي سيئة، وتعتبر من أهم مؤهلات الصعود، لكن لا أنصح بها.
قبل أيام كنت أمر من على الكوبري الدائري، فلمحت على جانبه برج سكني، يقف وحيدا، وفي جانبه ألواح خشبية مثبتة بمسامير، متروكة بعد انتهاء أعمال بناء، ويبدو أنها لن تتحرك، ولكن عمل عقلي كالتالي:
أخذت أفكر أن تلك الألواح موجودة هنا نتيجة إهمال، تركها أحدهم ظنا منه أنها لا تمثل خطرا، وتكلفة نزعها أكثر من قيمتها، ولكن ماذا لو جارت عوامل الزمن والمطر على مساميرها، فنال منها الصدأ، ومع بعض الهواء سقطت على أحدهم، قتلته، أو في أفضل تقدير أصابته؟ بدأت أفكر لو أني مسؤول في دائرة العمل القضائي، فإني سأعود على العمال الذين تركوا هذا، وأحاكمهم بتهمة القتل الخطأ. ولو أن الأمر سُيحل وديا، فسيكون على صاحب هذا البناء، أن يدفع دية لأسرة الضحية، وهي غالبا بالملايين، أي آلاف أضعاف سعر هذه الألواح.
لا أقول هذا حتى أخبركم أني أفكر بشكل مختلف، أو مميز، فما فكرت فيه لا قيمة له من حيث المبنى ربما، ولكن ما أقصده، أنه بمجرد أن وقعت عيناي على المبني تحرك عقلي بتلك الطريقة مباشرة دون محاولة مني، وهو ما كان سببا لكتابة هذا الموضوع.
الفكرة هنا، أنه إذا أخبرني أحدهم بنفس الحكاية، وكانت مناقضة لطريقة عمل عقلي، فإني لم أكن سأهتم، وإن كنت قد أبدي له بعض التفهم على سبيل المجاملة.
فكرة أن تعيش بعقل آخرين، وتفكر مثلهم، تحاول أن تكون مختلفا مثلهم، تمضي قدما مثلهم، هو أمر غير منطقي، وغير مجدي بالمرة، ومرهق جدا. كل واحدٍ منا عقله يعمل بطريقة تلقائية وخاصة.
في بعض الأحيان سُيفرض عليك أن تكون مثل آخرين، أن تعمل تحت إمرة أحدهم لا يرى سوى نفسه، سيكون الأمر مجهدا، لكن هكذا هي الحياة ليست جميلة طوال الوقت. كما أننا نحتاج للانفتاح على طريقة تفكير الآخرين ومعرفة مواطن تفردهم واختلافهم، حتى نوسع آفاقنا، وهذا يكون بالملاحظة والقراءة، وأحيانا اضطرارا.
لكن دائما تذكر، كل واحد منا متفرد بذاته، كل واحدٍ منا له اختلافه. بعضنا ربما يكون أضعف من أن يبرز تفرده، وعليه أن يعمل على تلك النقطة، وبعضنا يكون أقوى من تفرده، وهو النوع الأسوأ، لأنه يفرض سطوة كبيرة على من حوله بلا قيمة حقيقة لديه، وهم كثر حولنا، فمن بين عيوب العالم أنه يحب الاستعراض، فالتفرد ليس شرطا رئيسيا للنجاح، لكن الاستعراض فرصة لخطف الأضواء، حتى وإن كان الممثل فارغا.