الدولة الفاعلة فى مواجهة أزمة كورونا
ملحمة تاريخية تلك التى تسطرها الدولة المصرية هذه الأيام فى مواجهة تلك الهجمة الشرسة لفيروس كورونا الذى أسقط حسابات الدول العظمى، وأكد أن هناك قدرة أكبر كثيرًا من قدراتها مهما بلغ غرورها وصلفها، بل وأعطى لبعض الدول الواعدة ومنها «مصرنا الحبيبة» الحق والفرصة؛ كى تثبت للعالم أن الدولة الفاعلة، التى ترتبط فيها قيادتها وشرطتها وقواتها المسلحة مع الشعب، قادرة على مواجهة صعاب قد لا تستطيع هذه الدول العظمى مواجهتها، وهو ما يحدث حاليًا حيث فقد معظم شعوب الدول الأوروبية ثقته فى حكومات دوله التى عجزت عن مواجهة ذلك الاختبار غير المسبوق.
لقد قامت الدولة حتى الآن بكل الإجراءات الواجب اتخاذها وما زالت تدير هذه الأزمة بكل هدوء وثبات وثقة، فها هى تعطل الدراسة وتعطى الأمهات العاملات فى الحكومة وقطاع الأعمال إجازات رفقة أبنائهن، واستمرت الحكومة فى إدارة تلك الأزمة حتى اضطرت إلى فرض حظر التجول الجزئى بعدما بدأت الإصابات تتزايد إلى حد ما.
كما ظهرت أبواق الإخوان التى تحرض رعاياها من المغيبين على النزول إلى الشوارع ومحاولة اقتحام المساجد تحت زعم الدعاء والابتهال إلى الله أن يكشف تلك الغمة، وهنا ظهرت النوايا السيئة لأهل الشر فى الدفع بشبابهم مرة أخرى إلى الميادين والشوارع لمحاولة إحداث الفتن والتوترات بين أبناء الشعب المصرى، الذى فطن إلى هذه الخديعة وتصدى لها منذ مهدها وفى أول محاولة لها، وأثبت أنه وصل إلى تلك الدرجة من الوعى التى تؤهله لمواجهة هذه المحاولات والقضاء عليها فورًا.
وهنا يظهر دور الدولة الفاعلة، وهى تلك الدولة التى تتكاتف فيها الحكومة وشعبها لمواجهة الصعاب والأزمات اقتناعًا من كليهما بأن كلًا منهما مكمل للآخر، وأن الهدف واحد وهو أمن واستقرار الدولة، وهنا تكمُن الثقة المتبادلة بين المواطن وبين مؤسسات دولته، حيث يتأكد الشعب أن الدولة تعمل لمصلحته وحمايته وحُسن استغلال الموارد المتاحة لصالحه، ومن ثم يتحقق رضا المواطنين وتمسكهم بالنظام القائم، ولعل هذا هو ما تم استشعاره عند مواجهة الدولة بكل مؤسساتها لمنع انتشار فيروس كورونا اللعين الذى استطاع أن يقتحم الدول العظمى، ويتسبب فى إلحاق خسائر بشرية كبيرة ما بين وفيات وإصابات عندما تجاهلت التعامل الإيجابى معه فى بداياته، وهو الأمر الذى ترتبت عليه تلك الخسائر الرهيبة.
لكننا فى مصر قد تعاملنا مع هذا الوباء بالجدية الواجبة منذ الأيام الأولى لظهوره، وقامت وزارة الصحة باتخاذ الإجراءات الاحترازية فى الموانئ والمطارات، وراح أطباء الحجر الصحى يقومون بواجبهم بكل تفانٍ وإخلاص، وانتقل ذلك إلى المستشفيات المختلفة، وأصبح الطبيب المصرى هو جندى المرحلة التى تحملها وما زال يتحملها بكل أمانة رغم محاولات البعض زرع الفتن بين مجموعة من الأطباء والممرضين فى المستشفيات المختلفة، وهم الذين من الممكن أن نطلق عليهم الخلايا النائمة، ومع ذلك لم تنجح تلك المحاولات فى التأثير على أداء أبطالنا من الأطباء والطبيبات المصريين الشرفاء ومعاونيهم، الذين يواصلون جهودهم ليلًا ونهارًا للسيطرة على انتشار المرض بين أبناء وطنهم من الشعب المصرى.
فى الوقت ذاته، فقد جاء تدرج الحكومة فى اتخاذ قرارات المواجهة منطقيًا ويحاكى طبيعة المصريين، الذين يتحتم إقناعهم أولًا بأهمية وخطورة الموقف، حتى يبدأوا فى التعاون مع الأجهزة والمؤسسات الحكومية المختلفة، هذه هى ثقافة الشعب المصرى التى لن تتغير مهما تغيرت الأزمنة والأحداث، ومن هنا نجحت الحكومة فى تهيئة المسرح للتعامل مع الأزمة وخلقت حالة من الإقناع الشعبى بمخاطر أزمة كورونا، وتفادت الإجراءات المتسرعة التى كان من الممكن أن تحدث حالة من الفزع أو الهلع بين أطياف الشعب المختلفة، مما كان من الممكن أن يؤدى إلى حدوث ارتباك عام فى جميع نواحى الحياة. ومع ذلك فهناك من ينادى بأن تقوم الدولة بإجراءات أكثر تشددًا وحسمًا من تلك التى تم الإعلان عنها، وهنا يجب أن نفرق بين من يقوم بذلك عن جهالة أم قاصدًا، وكليهما قد يدفع الدولة إلى حافة الهاوية مما قد يفقدها السيطرة على الأمور ونصل إلى ما وصلت إليه إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، ومن هذا المنطلق فإننا نرى أن الحكومة قد اتخذت الخيار الأفضل والأكثر ملاءمة لطبيعة وواقع الأزمة، وبما يتلاءم مع شخصية الشعب المصرى الذى بدأ يتصرف بمسئولية كبيرة حاليًا وهذا ما دفع السيد الرئيس لأن يخاطب أبناء الوطن، ويُشيد بوعيهم وإخلاصهم وتفهمهم صعوبة المرحلة، مؤكدًا أن مصر سوف تتخطى هذه اللحظات العصيبة بإذن الله.
وعلى الرغم من ذلك، فإن لنا بعض الوقفات التى أرى أنه من اللازم الإشارة إليها والتى تم رصدها، خلال الأيام القليلة الماضية، التى اتخذت فيها الدولة بعض الإجراءات الاحترازية لمواجهة الظروف الراهنة، وهى:
- ضرورة استمرار التوعية الإعلامية والمجتمعية من خلال كل الجهات المسئولة لتفعيل ثقافة الالتزام بتعليمات الدولة الهادفة إلى تحقيق مصلحة الفرد قبل مصلحة المجتمع، خاصة فيما يتعلق بتقييد تحركاته بقدر الإمكان، تحسبًا من التقاط العدوى أو نقلها للغير.
- مواجهة جشع التجار الذين دأبوا على استغلال تلك الظروف للتلاعب بالأسعار أو إخفاء السلع الضرورية للمواطنين، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه أن يفعل ذلك، بمن فيهم الصيدليات وتجار المنظفات وموردو المنتجات الطبية.
- الاستمرار فى نشر الحقائق بكل وضوح وشفافية لعدم إعطاء الفرصة لمروجى الشائعات الذين فقدوا كل نخوة وأمانة وراحوا يثيرون أفراد الشعب بالتهويل والادعاء بعدم قيام الدولة بنشر الحقائق ومحاولة زرع الخوف والتوتر بين أبناء الشعب.
- تصدى رجال الدين لهؤلاء الذين يستغلون الظروف الراهنة فى محاولة إضفاء صفة الغضب الإلهى على الشعب بسبب ابتعادنا عن الدين مع إننا من أكثر شعوب العالم تدينًا وقربًا من الله، وبالتالى فإنه لا لزوم لتلك الخطب الرنانة التى يحاول بعض المتشددين والأدعياء ترويجها لتكفير أو لوم المجتمع ومحاولة تحويل تلك الأحاديث لتأخذ الشكل الدينى، السياسى وهو ما يحاول التيار المتطرف أن يقوم به حاليًا لاستعادة تلك الأرضية التى خسرها مؤخرًا نتيجة وعى الشعب المصرى، وكشفه حقيقة أصحاب تلك التيارات المتطرفة.
هذا ما أتمنى أن نأخذ به، خلال الأيام المقبلة، والتى أرى أنها لن تستمر طويلًا بإذن الله، وسوف تنقشع الغمة على فجر جديد تكون فيه بلادنا ضمن أكثر الدول تقدمًا فى كل المجالات بإذن الله.
وتحيا مصر.