تجليات على الحجار فى مواجهة «كورونا»
فرض كورونا نفسه كابوسًا مزعجًا مؤرقًا قاتلًا على حياة البشرية جميعها، ضيف بيولوجى ثقيل يحاصر يوميات إنسان ظن أنه ملك الدنيا وما فيها، لم يفرق كورونا بين دولة عظمى وبلد يعيش على هامش الدنيا، ولا بين حاكم متغطرس وآخر لا حول له ولا قوة، ولا بين عالم أول متقدم وعالم ثالث أو حتى غير مُصنف بعد، كورونا أخذ الجميع من يديه ليقف به عاريًا أمام مرآة لا تكذب ولا تتجمل، مرآة الموت، أجبر الجميع على وقفة مع النفس، لعل وعسى يعود الإنسان إلى رشده، ويدرك أن توازن الحياة أحد مقومات استمرارها، وأن قيمة الإنسانية لا بد أن تعلو فى نفوس الجميع.
ولأن كورونا فيروس ليس له تاريخ، مسخ مجهول الهوية يضرب الجهاز التنفسى ومنه إلى الجهاز الهضمى دون مقاومة أو علاج، فرضت أبجديات مكافحة الأوبئة نفسها، الحرص على الوقاية الشخصية، وإلغاء كل مظاهر الحياة القائمة على التجمعات، والانعزال فى البيوت بعيدًا عن احتمالات الإصابة بالفيروس صحيح، ولكن فى نفس الوقت أسرى حصاره النفسى المخيف فى حد ذاته، وما بين اجتهادات علمية وسلوكيات عشوائية، تزيد دوامات القلق وترتفع معدلات التوتر، قبل أن يتماسك الإنسان أو حتى يدعى التماسك ويتظاهر به، ويبحث عن دور فى مواجهة الأزمة، ليس على مستواه كشخص يكافح العدوى، ولكن فى سبيل دعم الآخرين فى مقاومة أبعاد الأزمة المختلفة.
دورك المهنى فى مواجهة الأزمة لا بد أن يفرض نفسه بعد دورك الشخصى، فإذا كنت منتميًا لمقدمى الرعاية الصحية من الأطقم الطبية وفرق العمل المساندة لها، فأنت تستحق لقب فدائى ودور البطولة المطلقة وصدارة المشهد، باعتبارك على تماس مباشر فى كل وقت مع الفيروس الشرس، تجازف بحياتك على أمل الحفاظ على حياة الآخرين، ويا لها من جسارة فى مواجهة كورونا، ولأن المجتمع بالكامل يحتاج إلى دعم نفسى تزيد أهميته مع اتساع دوائر الأزمة، يأتى دور الفن فاعلًا فى مواجهة مزاج كورونا النفسى المتقلب، وهو ما أدركه فنان بوزن على الحجار، يؤمن أن الفن دائمًا له دور حتى فى مواجهة الأزمات والكوارث.
ولم يكن الحجار إلا كعادته بشوشًا متفائلًا بتجاوز المحنة، وهو يبشر جمهوره هذا الأسبوع عبر فيديو على صفحته الشخصية على شبكة التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، يعلن فيه عن نشاطه الفنى فى مواجهة كورونا، فتقوية مناعة الوجدان تسهم بقوة فى تقوية مناعة الجسم، والترويح عن النفس يحد من مساحات القلق والتوتر، ولا مانع من أفكار مواكبة بعدما صارت الحياة بكاملها أونلاين، أطلق الحجار برنامجه «ساعة تجلى» ليتواصل به مع جمهوره أونلاين مرتين أسبوعيًا، يقدم أغانيه القديمة لمن لم يعاصرها من الشباب، بصحبة الموسيقار أحمد حمدى رءوف على البيانو، فكرة راودت الحجار طويلًا، قبل أن يطلقها كتجربة احتفالًا بعيد الأم يوم السبت الماضى.
على الناحية الأخرى، ولأن جمهور على الحجار اعتاد لقاءه فى حفلات شهرية منتظمة لسنوات طويلة، فقد أعلن فى نفس الفيديو عن استعداده لإقامة أولى حفلاته أونلاين، لتنطلق من استوديو الحجار بالمقطم وتُبث بثًا مباشرًا عبر صفحته الرسمية على «فيسبوك»، بصحبة عدد خمسة أو ستة عازفين من فرقته الموسيقية، بحيث يجلسون على مسافات متباعدة كافية، ويتوقف موعدها المنتظر على ضوء مستجدات حظر التجول، وذلك كله فى إطار الالتزام باشتراطات مكافحة عدوى الفيروس الملعون، وهو ما يُحسب جميعه لمطربنا الكبير على الحجار، ويُضاف إلى رصيده الذهبى الممتد لأكثر من أربعين عامًا، ويمنح جمهوره وعشاق فنه نفحة من البهجة والتحدى فى مواجهة كورونا.