الالتزام ضرورة وواجب وطنى
لا شك أننا جميعًا نعيش هذه الأيام التى لم تمر بنا منذ زمن بعيد ونحن نشعر بهذا القلق والخوف على أنفسنا وعلى بلادنا، خاصة أنه كل يوم نسمع عن مئات الضحايا فى العديد من دول العالم المتقدمة الذين يلقون حتفهم متأثرين بذلك الفيروس اللعين «كورونا».
وعلى مدار التاريخ الحديث لا أعتقد أن مصرنا الغالية تعرضت لمثل تلك الأزمات مجتمعة فى آن واحد، وهذا ما يجعلنا ننادى حاليًا بضرورة التكاتف معها لمواجهة تلك الأزمات الواحدة تلو الأخرى، حتى نستطيع أن نعبر هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، بل من الممكن أيضًا أن نحقق العديد من المكاسب إذا أحسنا التعامل بإيجابية وإخلاص معها.. وإذا كنا قد تحدثنا من قبل عن حسن إدارة الأجهزة التنفيذية للدولة فى مواجهة أزمة سوء الأحوال المناخية التى نتجت عنها تلك الأمطار الغزيرة التى تسببت فى بعض الخسائر القليلة نسبيًا بالمقارنة بما حدث، وكيف أن جميع أجهزة الدولة أسهمت فى التعامل بإيجابية واحترافية لتقليل تلك الخسائر على ضوء الإمكانيات المتاحة لها.. فإننا اليوم نجد أنفسنا نقف مع أجهزة الدولة فى نفس خانة المسئولية ونحن نواجه تلك الأزمات التى نتعرض لها حاليًا وجميعها لا يقل أهمية عن الأخرى، سواء كانت أزمة انتشار فيروس كورونا فى العالم بأسره، الأمر الذى جعل الدنيا كلها كأنها كيان واحد لأول مرة فى تاريخ البشرية قد اجتمعت على مواجهة هدف واحد أو خطر واحد يهددها بلا هوادة او استثناء، وفى ذات الوقت يطل علينا شبح استكمال إثيوبيا بناء سد النهضة، متحدية فى ذلك جميع الأعراف والمواثيق الدولية التى تحفظ للدول المشاركة فى نهر النيل نصيبها وحصتها فى مياهه من منطلق مبدأ «لا ضرر ولا ضرار»، وها نحن اليوم نرى الدبلوماسية المصرية تتحرك على المستويين الدولى والعربى والآن الإفريقى كإحدى وسائل الضغط على إثيوبيا للاستماع إلى صوت العقل وعدم الانصياع لتلك الدول والأنظمة الاستعمارية التى تحركها وتدعمها ضد مصالح الدولة المصرية.
يأتى هذا ونحن ما زلنا نواجه فلول الإرهاب الذى يحيط بنا من الشرق والغرب، بالإضافة إلى أبواق وفضائيات وقيادات جماعة الإخوان الإرهابية الهاربة فى الخارج وتلك الخلايا النائمة الموجودة فى الداخل، ومحاولة تأليب الرأى العام الخارجى والداخلى على وطننا العزيز من خلال نشر أخبار مغلوطة وكاذبة للتأثير على المجتمع الدولى ضدنا.
وبنظرة سريعة لتلك الأزمات للوقوف على مدى تأثيرها، اقتصاديًا ومعنويًا، على الشعب المصرى نجد أن بداية عام ٢٠٢٠ بدأت بعجز مالى يقترب من ٦٠٠ مليار جنيه، وما إن بدأ الهلع من فيروس كورونا الخبيث- أكرر كلمة الخبيث- لأنى أرى أنها أزمة مصطنعة لأسباب اقتصادية عالمية، حتى تأثرت حركة الملاحة البحرية فى قناة السويس وإلغاء ما يقرب من ٧٠٪ من حجوزات السياحة، وكذلك توقف أغلب رحلات مصر للطيران وهبوط أسعار البترول إلى أدنى معدلاتها، الأمر الذى سوف يؤثر على رواتب وتحويلات المصريين فى الخارج.. وكذلك الحال فيما يتعلق بعمليات الاستيراد خاصة المنتجات الاستهلاكية التى تصل نسبة استيرادنا لها ٦٠٪ تقريبًا.. وهنا يُثار التساؤل: هل اقتصادنا بهذا الشكل يستطيع أن يصمد أمام جميع تلك الأزمات إذا استمرت ثلاثة أو أربعة أشهر أخرى؟.
فى الواقع كلما راجعت هذه المشكلات التى يتعرض لها الوطن، أجدنى أشفق على القيادة السياسية وعلى الحكومة وهى تقوم بالتعامل معها بحنكة وصبر على جميع الأصعدة خاصة موضوعى سد النهضة وفيروس كورونا.. ففى الأزمة الأولى هناك قوى خفية تحاول أن تدفع الأطراف إلى الانزلاق فى مواجهة عسكرية، وهو ما انعكس على تصريحات وتحركات القادة الإثيوبيين مؤخرًا.. إلا أن مصر تعلم جيدًا مدى خطورة ذلك خاصة فى تلك المرحلة التى أوشك السد فيها على الانتهاء.. وفى الأزمة الثانية قرر السيد الرئيس تخصيص مبلغ ١٠٠ مليار جنيه لمواجهة أزمة كورونا، وهو عبء جديد يضاف على كاهل الدولة، ولكن سيادته أكد من خلال موقف يدل على أنه قائد شريف ورجل دولة بمعنى الكلمة «أن صحة المواطن المصرى أهم من أى اهتمامات أخرى للدولة».
ولكن هذا لا يعنى أن كل ذلك يمثل ضغوطًا غير مسبوقة على الحكومة والقيادة السياسية، خاصة ونحن كنا تقريبًا على مشارف الانتهاء من تجربة إصلاح اقتصادى تحمل الشعب المصرى فيها الكثير من المعاناة حتى يتخطى تلك المرحلة المهمة فى تاريخه.
تلك هى الصورة التى نواجهها جميعًا اليوم والتى تعلنها الدولة المصرية بشفافية ووضوح، فلا يوجد أى مبرر لإخفاء أى حقيقة، لأننا وببساطة شديدة جميعنا مشتركون فى هذه الدولة بل نحن أساسها وأصلها، ومن هنا فلا بد أن تكون لنا وقفة جادة وحازمة لمشاركة المسئولين عنها فى تلك المواجهة.
لا بد أن ندعم دولتنا وأن نكون على مستوى المسئولية فى جميع المواقف المطلوبة منا، لأننا بالفعل فى لحظة فارقة من تاريخ الأمة.
لقد جاء دورنا لنشارك فى إدارة تلك الأزمات بالالتزام بتعليمات الحكومة لمواجهة هذا الفيروس اللعين والابتعاد عن أى استفزازات أو محاولات للوقيعة بين مصر وإثيوبيا، ونحاول أن نقوم بتفعيل دور الدبلوماسية الشعبية من خلال تخصيص وفود مصرية تشارك فى جهود الدولة لإنجاح العملية التفاوضية مع الجانب الإثيوبى.. وألا نصدق أو ننشر أو نقوم بتوزيع تلك الأخبار المكذوبة والمغلوطة التى تحاول أبواق وقنوات الشر أن تحبط بها عزائمنا وتشككنا فى قدرتنا على مواجهة الأزمات.
إن المسئولية الوطنية تحتم علينا أن نتشارك معًا لمواجهة أزمتى سد النهضة وفيروس كورونا، ولعل الأخيرة بالتحديد هى التى تهمنا على الأقل خلال الأيام التى نمر بها حاليًا.
ومن هنا فإننى أناشد كل مصرى أن يتحمل مسئوليته تجاه أسرته ووطنه، ويلتزم بجميع التعليمات التى تفرضها الظروف علينا، حتى نعبر تلك المحنة، كما حدث فى العديد من الأزمات السابقة.
لقد دأب الشعب المصرى الأصيل على مواجهة الشدائد بالصبر والأمل.
واليوم نطلب منه الالتزام والانضباط كما حدث فى دولة الصين، للحفاظ على حياتنا وأبنائنا ووطننا، وأن نساند أجهزة الدولة فى المهام الصعبة التى تقوم بها لمواجهة تلك التحديات، خاصة أننا جميعًا نشهد أنها تبذل كل ما فى وسعها لعبور تلك الأزمة بأقل الخسائر الممكنة.
تحيا مصر بشعبها وقائدها وإيمانها بالله، وقدرتها على عبور الأزمات والتغلب عليها بإذن الله.
«الالتزام واجب وطنى»
وتحيا مصر.