وائل خورشيد يكتب: نحبكم ولكن!
ليس شرطا أن العطاء أحد أبواب المحبة، قد يكون أسرع الطرق للظلام.
الكلمات حينما تخرج بجورها وفجورها، فإن أثرها لا يمكن محوه، والأفعال السيئة التي تحرك فينا ساكنا ليس له هدوءًا بعدها.
أحيانا نود أن نسأل أحدهم أن لا يفعل ما يعتزم أن يفعل، نحن نعرف، ولا نحب أن نواجهه - تجاهلا - حتى لا تكون نقطة سوداء على الرداء الأبيض؛ لأننا نحبهم لم نكن نتمنى أن يطلقوا السهام.
نفقد أماكن، ونفارق أشخاصا، ويتحول شعورنا نحوهم لسوءٍ مضاعف، لأننا كنا نحبهم، ولأنهم خذلونا.
لا يمكنني أن أقول إن هذا كرها، بقدر ما هو جُرحا، قد يعلمنا، سبقته حالة من الشك، والشك حينما يصيبك فيمن تحب، فإنه كجيش من الزلازل التي تضرب أعمدة البناء حتى تسقطه.
أساس البقاء السكن، والسكن من السكون، والسكون لا يكون إلا بالأمان، والأمان لا يعرف الشك.
ما أسوأ هذا الشك، ما أسوأ أن تبقى معلقا، تزرع خيرا وتحصد ثمارا فاسدة.. هل العيب في الماء؟ أم البذور؟
نحبكم ولكن نكرهم؛ لأننا نستغني أحيانا بالبعض عن آخرين، لأننا نفضلهم على كثيرين، لا أعرف إن كان العيب فينا، أننا أخطأنا الاختيار، أم أن شيئا آخر كان له حكما لا ندركه، لكن نعرف شيئا واحدا، أن هناك شيئا مشتعلا فينا، وهو ما يعني أن هذا الذي رحل ترك سُمه، لم ننسه ولم نعد نطيقه.
العيب قد يكون عيبنا من البداية، لأن بعضنا يفني نفسه، ويظن أن بالعطاء وحده يمكنه أن يكمل الخطوط الناقصة التي ستظهر جمال الصورة. ربما بعض الألوان، ولكن في الحقيقة، حينما تمنح وتمنح وتمنح، فلا يتشرط أنك ستجني خيرا، ربما أنت تحفر قبرك بيدك، وتنزل فيه بهدوءٍ حتى تفرد جسدك في أرضه وترتاح، وتتمدد، ولا تعرف في أي مكان أنت، حتى تجد الأبواب تغلق عليك، وترى مشيعي نعشك يديرون ظهرهم لك ويرحلون، بل أحيانا يكونون خصومك بما يعرقونه عنك من نقاط لينٍ.
أتعرف ما هو الأسوأ؟ أن يبقون، حيث يبقى الغزل دائرا بينك وبينهم، وأنت كلاعب السيرك تقفز على الحبل تنتظر اللحظة التي تقع فيها فينكسر عنقك، بينما يصفقون لك.
كم نكون أغبياء أحيانا.. وكأنما جميعنا خلقنا بجانب فارغ في عقولنا يسمح بتمرير الهواء الفاسد. ربما هكذا نتعلم، إلى أن نخطئ مرةً أخرى.
الحب يجعلنا أنقى كثيرا وأغبى أكثر، توليفة جيدة تقلل مناعتنا، بينما في نفوسهم فيروس يخفيه وجه يبدو جميلا لنا، حتى يخترقنا، فنرى قبحه.
لا يمكنني أن أحدد على وجه اليقين لماذا يكون هذا الشيء باقٍ بداخلنا من بعدهم، فكما قلت هو ليس كرها، ولا ندما، ولكنه جحيما.
يعودون.. أحيانا قد يضربهم إعصار الندم، أحيانا قد تكون لهم مصلحة ويعتمدون على سذاجتك، تأثيرهم عليك، ولكن مهما كان رأيهم هم، ففي الغالب المكان لم يعد يصلح لك من جديد، لأنك تقول لهم: تمنيت لو لم تفعلوا من البداية.. ولكنكم فعلتم.
العودة التي تحمل ندما، منحة هواء نقي من الحياة، تتيح لك أن تستعيد جزءا مما افتقدته من نفسك، تعيد شيء من قيمتك، ولكن يبقى السؤال: لماذا لم نكن من البداية ثم أصبحنا؟ الجواب يحمل على جناحيه الغفران أو إتمام الفقدان.