معًا فى مواجهة الفتن والشائعات
لم أجد فى أى دولة من دول العالم سرعة انتشار لأى شائعة تصدر من هنا أو هناك حتى ولو كانت تضر بأمن وسلامة البلاد وتؤثر فى استقرارها وسمعتها أو قد تتسبب فى إحجام الراغبين فى الاستثمار بها أو السياحة إليها- مثلما يحدث فى مصر. الأمر الذى يشجع أهل الشر من الذين يعيثون فى الأرض فسادًا على أن يتفننوا فى بث الشائعات الواحدة تلو الأخرى تبعًا لمجريات الأحداث والأوضاع السائدة فى البلاد.. بل حتى لو استدعى الأمر اختلاق أحداث على غير حقيقتها يؤدى ترويجها إلى بث بذور الفتنة والقلق بين أبناء الشعب الواحد بمختلف طوائفه واهتماماته.
من هنا فإننا يجب أن نحترس خلال المرحلة المقبلة من خطورة تلك الفتن والحقائق المغلوطة التى سوف تنتشر على صفحات التواصل الاجتماعى، مستغلين فى ذلك بعض الأزمات التى تتعرض لها البلاد حاليًا، ومن بينها أزمة سد النهضة لإشعال الفتن بين مصر وإثيوبيا وأزمة فيروس كورونا للتشكيك فى مصداقية الحكومة أو لنشر الفزع بين المواطنين، خاصة أولياء الأمور لأبنائنا فى المدارس والجامعات، وغيرهما من الأزمات التى تتعرض لها المنطقة حاليًا بل العالم كله الذى يمر بمرحلة إعادة تشكيل وتكوين لتحالفات سياسية واقتصادية جديدة تجعل عدو الأمس حليف اليوم والعكس صحيح وهو ما يفتح المجال أمام حالة من الاغتراب الفكرى والسيولة السياسية والارتباك الذى ينعكس نتيجة لذلك على الفوضى الإعلامية العالمية والعربية وأحيانًا المحلية فى مصر.
إن المنطقة المحيطة بنا تعج بالعديد من الملفات والأحداث والمتغيرات التى تجعلنا يوميًا نتلقى الخبر تلو الآخر، وقد يكون البعض منها مرتبطًا بالأوضاع الداخلية أو بأمننا القومى مثل التدخل التركى فى ليبيا والموقف السودانى الغامض من موضوع سد النهضة وتغلغل جماعة الإخوان فى حكومات وبرلمانات بعض الدول العربية مثل تونس والجزائر وتأثيرها على علاقة تلك الدول معنا، بالإضافة إلى ذلك الدعم غير المحدود من تركيا وإيران وقطر لتيارات الإرهاب التكفيرى الممول إقليميًا والمدعوم دوليًا من هذه الدول وغيرها أيضًا، خاصة من بعض الأجهزة الاستخباراتية الدولية.
إن كل المتغيرات الإقليمية والدولية وأيضًا الداخلية تؤدى بلا شك إلى حالة من الهستيريا الإعلامية والأخبار المكذوبة والوقائع المفتعلة التى يقوم بها الإعلام الكاذب والأسود القائم على اختلاق الروايات وتزوير الوقائع ونصف الحقائق، أو بمعنى أدق نسف الحقائق ودس السم فى العسل ومحاولة دغدغة مشاعر المظلومين والكادحين وما أكثرهم فى عالمنا المعاصر.. وهو ما نطلق عليه «إعلام التحريض» البعيد تمامًا عن الحيادية والموضوعية والمصداقية فى عرض الوقائع والأمور والأحداث على العامة من الشعب.
لقد انتشر أحد روافد الإعلام مؤخرًا أيضًا بشكل مخيف ومؤثر على الرأى العام والأحداث لدرجة أنه أصبح المصدر الأساسى أحيانًا للمعلومات وهو «إعلام التواصل الاجتماعى»، الذى يصل إلى رجل الشارع البسيط قبل أى وسيلة أخرى من وسائل الإعلام الأخرى كالإذاعة والتليفزيون والصحافة، وأصبحت التكنولوجيا والهواتف المحمولة والذكية تسيطر على تسويق وعرض الخبر فى ذات اللحظة التى يحدث فيها مشفوعًا بالصوت والصورة فى آنٍ واحد، مما يسهم فى سرعة التأثير فى الرأى العام الذى من الممكن ألا يتقبل الخبر الحقيقى إذا ما تم عرضه بعد ذلك على وسائل الإعلام الرسمية اعتقادًا منه بأن نشر تلك الأخبار لتحسين صورة الدولة إذا أشير إلى أن ما تم عرضه من أخبار عبر وسائل التواصل عار من الصحة أو اجتزئ من صياغته الحقيقية أو تمت فبركة الخبر بشكل أو بآخر.
ومن هذا المنطلق فإننا يجب أن نؤكد ضرورة التعامل مع أى خبر على شبكات التواصل الاجتماعى بالكثير من الحذر والتروى، بل الشك، حتى يتم تحديد المصدر الصحيح المعتمد.. وبالتالى لا نكون نحن إحدى وسائل نشر تلك الأخبار المشكوك فى صحتها وإلا بذلك نكون قد شاركنا فى جريمة تشويه الحقائق وأصبحنا إحدى الوسائل التى يستخدمها المتآمرون على الوطن، وبناء عليه فإنه ينبغى أن نرجع إلى المواقع الرسمية للجهات التى يتم نسب الحدث أو الخبر إليها للتأكد من صحة المعلومة المنسوبة إليها.ويا حبذا أيضًا لو حاولنا الدخول على ناشر المعلومة أو التغريدة لمحاولة الوقوف على توجهاته وانتماءاته حتى يتسنى لنا معرفة الغرض الذى من أجله أطلق هذا الخبر على صفحته، أو ما إذا كان استقاه من مواقع أخرى تنتمى لتوجهات معارضة للدولة أو تعمل على إثارة الفتنة والبلبلة والتشكيك فى أوساط المجتمع.
الغريب فى الأمر هو ما يحدث حاليًا من محاولات إعادة عرض بعض الوقائع التى انقضى عليها سنوات طويلة ويعاد تكرارها حاليًا بإلحاح فى محاولات مستميتة لإحداث حالة من السخط الشعبى على النظام بصفة عامة حتى ولو كان ذلك قد تم فى فترات سابقة.. ويتم ذلك من خلال عمليات انتقاء توقيتات ومناسبات معينة تكثر فيها نسب المشاهدة لعرض تلك الأمور فى ذكاء شيطانى يجب أن نتحسب منه جميعًا.
إن مصرنا الغالية وهى تقف وسط أعاصير من التهديدات الخارجية وأحيانًا الداخلية تجعلنا فى أشد الحاجة إلى ضرورة إدراك أن قوى الشر تسعى بجميع السبل إلى محاولة تفتيت وحدتها وشق صفوفها من خلال نشر الأكاذيب والادعاءات والتلفيق والتزوير، وعلينا أيضًا أن ندرك أن تلك الحملات سوف تتصاعد فى الآونة المقبلة بشكل غير مسبوق نتيجة النجاحات التى تتحقق على جميع الأصعدة، خاصة الاقتصادية، الأمر الذى لا يُرضى أعداء الوطن.. وبناء عليه يجب علينا أن نتكاتف ونتعاون فى مقاومة تلك المحاولات.. وأن نحارب مؤامرات اغتيال الحقائق والأشخاص وتزييفها والتشكيك فى أى إنجاز تحققه الدولة.. ومن الطبيعى أن يكون الشباب هم أهم الفئات المستهدفة فى هذا المجال للتلاعب بمشاعرهم والتأثير فى انتماءاتهم وولائهم لوطنهم، الأمر الذى يجب علينا جميعًا أن ننتبه إليه ونتغلب عليه بالتوعية والتوجيه والإرشاد المستمر من جميع المسئولين بالقطاعات المختلفة فى الدولة، خصوصًا تلك المعنية بالتواصل مع شباب الوطن الذين يمثلون ذخيرة الحاضر وأمل المستقبل.
وتحيا مصر..