«بعلم الوصول» ليس فيلمًا نسويًا
هالة سيدة في أوائل الثلاثينيات متزوجة من خالد موظف البنك البسيط ولديهما ابنة في عامها الأول، توفي والد هالة عندما كانت في الثامنة عشرة وتأثرت بذلك الغياب سلبًا، حتى هذه اللحظة تبدو قصة هالة طبيعية عدا لحظات الهلع التي تنتابها بعد كل كابوس يؤرق نومها. فهى سيدة تعاني من فقد والدها ومن ثم تواجه مشاكل اكتئاب ما بعد الولادة وحالتها الاكتئابية الثالثة التي تنتابها هى عدم شعورها بالأمان، وتكتمل الحالة بعد تعرضها لتهديد استقرار زواجها. الفيلم يرصد واقع هالة في فترة مؤقتة من حياتها وكأنها تعيش اللحظة حتى استقبال خطاب جديد مغلق يتم استلامه علم الوصول.
تتألق بسمة في أداء دور المرأة المضطربة نفسيًا وتميل إلى الحالة الاكتئابية التى تلازمها معظم وقتها الخالي من أي عمل سوى رعاية طفلتها، تتضح مشكلتها النفسية منذ مشاهد الفيلم الأولى بمناقشة أحلامها مع زوجها التي تقتصر على موضوعين محددين عن قضاء مدة الحلم في البحث عن زوجها ولا تجده أو تبحث عنه بالاشتراك مع ابنتهما، في الحالتين لا تجده وتستيقظ مذعورة حتى إلقاء القبض على زوجها لاتهامه بالاختلاس عن طريق الخطأ، وبذلك كان الغياب الذى طاردها في كوابيسها حقيقيًا وعليها مواجهة الواقع والبحث عن عمل لتدبر أمورها المادية في غياب الزوج.
هالة لا تختلف عن السيدات الشرقيات اللاتى يشعرن بالخجل من زيارة طبيب نفسي والخضوع لجلسات علاجية، تتردد طويلا ثم ترفض رفضًا قاطعًا، وتتمنى أن تمتلك منزلًا له عدة شرفات فقد قضت حياتها تتسكع بهواء النافذة فتجدها دائمًا متشبثة بمنفذ الهواء الوحيد في حياتها، يبدو رفض هالة لزيارة طبيب الصحة النفسية منطقيًا بالنظر إلى خلفيتها العائلية من أم تجهل أساليب التربية السوية التي تمارسها مع شقيقة هالة المراهقة أو تتفهم المرحلة العمرية التي تمر بها الابنة الصغيرة، ولا تختلف منى صديقة هالة وجارتها عن باقي سيدات الفيلم.
منى تهتم بوالدها المريض بإخلاص حتى وقعت في حب "التمرجي" الذي يمرض والدها فتتزوجه سرًا ولا تفصح عن سرها سوى لصديقتها هالة فتبدو منى أشد اكتئابًا من هالة لما تتمتع به هالة من مميزات- على حد قول منى- حُرمت منها مثل الزواج والإنجاب والجمال.
يطرح الفيلم رؤية واسعة المجال عن عدة نماذج نسائية في المجتمع المصري يتشابهن في متطلباتهن وفيما يواجهن في سبيل تحقيقها، ولا يعد فيلم "بعلم الوصول" فيلمًا نسويًا ولكنه يعرض أنماطًا مألوفة قابلناها جميعًا، ولم نتعرف على والد هالة المتوفى أو أخبرتنا عنه سوى أنه يهوى الرسم وكان يرسم معها وهى طفلة، لذلك في بعض الأحيان تمنيت أن أتعرف أكثر على شخصيته أو مدى تأثرها بعلاقتها به كتبرير لحالتها النفسية السيئة التي تعيشها منذ وفاة والدها والتي تخطت العشرين عام تقريبا.
الفيلم من إخراج وتأليف هشام صقر المونتير المتميز الذي قام بمونتاج أفلام فرش وغطا وميكروفون و18 يومًا وغيرها، يعد الفيلم تجربة جيدة بالنسبة للعمل الأول كتأليف وكتابة السيناريو والحوار. ركز المخرج على خط درامي واحد ومهم، ألا وهو جزء من حياة البطلة في أثناء محاولتها لاستعادة جأشها والوقوف على قدميها بقوة ومن بعد مواجهة فقدان جديد وهو فقدان زوجها الذى تعتمد عليه فى معظم تفاصيل حياتها وذلك كما عرفنا أن والدها كان فقدها الأول.
يعد فيلم بعلم الوصول الفيلم المصري الذي شارك في مهرجان عالمي في عام 2019 بمشاركته في قسم "اكتشافات" بمهرجان تورونتو السينمائي بكندا، بالإضافة إلى حصده جوائز النسخة السادسة من ورشة "فاينال كات" فينيسيا وفاز الفيلم بثلاث جوائز من المهرجان الإيطالي العريق، جائزة لتصحيح الألوان، مقدمة من قبل أستوديو LaserFilm في روما لمدة تصل إلى 50 ساعة عمل. والجائزة الثانية مقدمة من قبل المنظمة الدولية للفرنكوفونية OIF التي تمنح 5 آلاف يورو لفيلم أفريقي أو عربي من بلد عضو في الفرنكوفونية. والجائزة الثالثة عبارة عن 5 آلاف يورو من شركة Lagoonie.
الفيلم في مجمله يلقى الضوء على الأمراض النفسية المسكوت عنها وغير المعترف بها مثل اكتئاب بعد الولادة الذى يعتبره الأغلبية دلع أمهات جدد وسوف تعتاده الأم الجديدة واكتئابًا بعد فقد عزيز والذي يعتبرونه أيضا مجرد فترة حزن وسوف تمر ويدعون للشخص بإن شاء الله "تعيش وتفتكر".