حال الموسيقى العربية
تابعنا جميعًا الجدل الدائر فى وسائل الإعلام، وأيضًا على صفحات التواصل الاجتماعى، حول ما يسمى «موسيقى المهرجانات»، وكعادتنا فى معالجة الأمور بحماسية ومن خلال ثنائية «مع أو ضد» أو «أبيض وأسود»، تعالت الأصوات صاخبةً مطالبةً بمنع «المهرجانات» لأنها تمثل اعتداءً على الذوق العام، وعلى الجانب الآخر رفض البعض فكرة المنع على أساس أن الفن سلعة وعرض وطلب، وأن هناك جمهورًا عريضًا- لا سيما فى أوساط الشباب- لهذا اللون.
لكن الغريب ندرة المقالات التى تعاملت مع هذا الأمر بهدوء، وتناولته على أنه «ظاهرة» تستحق الدراسة، وقد تصل بنا إلى توصيف «حال» المجتمع المصرى أكثر من كونها توصيف «حال» الموسيقى العربية الآن، فلم تهبط علينا موسيقى المهرجانات من السماء، ولا كانت فيروسًا أطلقه علينا الأعداء فى نطاق الحرب الجرثومية! وإنما ترتبط ارتباطًا شديدًا بالتطورات التى لحقت بالمجتمع المصرى، لا سيما فى العقدين الأخيرين.
وبنظرة المؤرخ وجدتنى أحاول أن أنظر للظاهرة من خلال نظرة الطائر، بالعودة إلى التاريخ لفهم الحاضر ورسم ملامح المستقبل، دخلت إلى غرفة مكتبتى ونظرت إلى الركن الخاص بتاريخ الفنون، ولا أدرى لماذا وقعت عيناى مباشرةً على هذا المجلد الضخم والمهم فى موضوعه وفى زمانه، وأكاد أقول إن أهميته تستمر حتى زماننا، وأعدت قراءة هذا السفر الفخم، وعلى الفور قررت أن أقدم عرضًا سريعًا لهذا العمل دون تعليق منى لأترك للقارئ الكريم التعليق وفهم لماذا تكتسح الآن موسيقى المهرجانات.
هذا السفر المهم هو أعمال مؤتمر الموسيقى العربية المنعقد فى القاهرة عام ١٩٣٢، والمشمول برعاية الملك فؤاد الأول، وطُبِعَت أعمال المؤتمر فى كتابٍ جليل بالمطبعة الأميرية بالقاهرة عام ١٩٣٣.
يشتمل الكتاب على رسالة معهد الموسيقى الشرقية إلى وزير المعارف العمومية، المختص آنذاك بشئون التعليم والثقافة، بطلب عقد مؤتمر الموسيقى العربية، وكيف رفع وزير المعارف العمومية الأمر إلى مجلس الوزراء. ويحتوى الكتاب على قرار مجلس الوزراء بإقامة المؤتمر، ثم وضعه تحت الرعاية الملكية.
ويتضمن الكتاب الأمر الملكى بتعيين البارون دى ارلنجر، نائب رئيس فنى لجنة تنظيم المؤتمر، كما يشتمل الكتاب على الدعوة الموجهة للمشاركين فى المؤتمر من المصريين والأجانب، والوفود التى جاءت من البلاد العربية، وتتضمن أعمال المؤتمر إنابة رئيس مجلس الوزراء عن الملك فؤاد فى حفل افتتاح المؤتمر.
وعرض الكتاب الأوراق المقدمة من الأجانب والعرب والمصريين عن تاريخ وحاضر الموسيقى العربية، وتصورات حول تطورها، ولم يُهمِل المؤتمر التعليم الموسيقى، والمقصود هنا ليس التعليم فى معهد الموسيقى ولكن فى مدارس التعليم العام، حيث تمت مناقشة التقرير المقدم بطرح برنامج لدروس الموسيقى بمدارس رياض الأطفال والسنة الأولى بالمدارس الابتدائية، كما قدم تقريرًا آخر بشأن حالة الموسيقى بالمدارس الحكومية!!
الأمر الجدير بالنظر والملاحظة أن مفتـش الموسيقى بوزارة المعارف العمومية كان هو الدكتور «محمود أحمد الحفنى»! هذا الرمز الكبير الذى يعرفه كل من درس تاريخ الموسيقى العربية فى القرن العشرين، السؤال الآن: ما هو حال تدريس الموسيقى فى مدارسنا الحكومية الآن؟
لا تعليق!