انتفاضة أوروبية ضد الجماعة الإرهابية
تشهد العديد من الدول الأوروبية حالة من الحراك السياسى تستهدف جماعة الإخوان الإرهابية ومواجهة نشاطها فى تلك الدول، خاصة مع تزايد محاولات الإخوان تثبيت دعائمها والسيطرة على معظم المساجد ودور العبادة، والتغلغل فى الأحياء التى يقطنها المهاجرون من أصول عربية وإفريقية، لاستغلالهم لإحداث حالة من الفوضى والارتباك لإثبات قدرتهم على تحريك الشارع فى هذه الدول، وبالتالى سعى الحكومات إلى تحسين علاقاتها مع قيادات الجماعة المتواجدين بها، لإحكام السيطرة على هؤلاء المهاجرين الفقراء الذين يعانون من البطالة والتجاهل من قبل تلك الحكومات.
كان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون قد أعلن مؤخرًا عن أنه سوف يواجه مخططات جماعة الإخوان، التى تتمثل فى بث مشاعر الكراهية والغضب لدى الشباب الفرنسى ومحاولة سيطرته على بعض المناطق التى تضم أعدادًا كبيرة من العرب والأفارقة المهاجرين، استعدادًا لفرض بعض المتأثرين بأفكارها فى انتخابات البلديات التى تستعد الدولة الفرنسية لها قريبًا. وفى هذا الإطار قام الرئيس الفرنسى بخطوة غير مسبوقة، عندما توجه إلى مدينة «ميلوز» بمقاطعة الألزاس الفرنسية، التى يوجد بها الجامع الإسلامى الأكبر فى فرنسا، ويضم أيضًا مركزًا ثقافيًا يلجأ إليه معظم المسلمين المتواجدين فى العاصمة الفرنسية، حيث ألقى خطابًا تناول فيه ضرورة فصل الدين عن الدولة، ونبذ زرع مشاعر الكراهية والخوف بين أفراد الشعب الفرنسى الواحد، أيًا ما كانت أصوله وديانته، وكشف عن دور الإخوان فى نشر الخطاب الدينى المتشدد وتعليم الشباب الإسلام السياسى، وهو الأمر الذى دفع العديد منه إلى اعتناق الدين الإسلامى، ثم ثبت تورطه فى أعمال إرهابية وهو ما يشكل خطرًا على العديد من الشباب الذى يتلقى الدين على أيدى شيوخ متشددين يحرضون على تكفير المجتمع، ويدعون إلى خطاب الكراهية.
وقد ثبت لأجهزة الأمن الفرنسية أن هذا المسجد الكبير فى باريس تتم إدارته من خلال كوادر إخوانية من الخلايا النائمة، وأنه يتلقى تمويلات مالية كبيرة من دولة قطر، وأصبح من الواضح أن الرئيس الفرنسى، مدعومًا بجميع الأحزاب السياسية هناك، سوف يخوض معركة جديدة مع التطرف الإخوانى بعيدًا عن الأساليب الأمنية فقط، حيث سيتم العمل على إعادة نشر وترسيخ القيم الثقافية الحضارية الفرنسية الأصيلة، والتأكيد على أن الإرث الفرنسى وفكرة المواطنة من الثوابت التى تجب المحاربة من أجل بقائها راسخة فى التاريخ الفرنسى.
يأتى هذا فى الوقت الذى هاجم فيه مجلس العموم البريطانى جماعة الإخوان الإرهابية، وهنا لا بد أن نشير إلى أن إنجلترا كانت الدولة الأجنبية الأولى الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية منذ نشأتها، حيث طالب العديد من نوابه بضرورة اتخاذ موقف حازم ضد الإخوان وإدراجها كمنظمة إرهابية تحرض على الكراهية، وتدعو لمهاجمة المسيحيين حول العالم، مطالبين بإجراء تحقيقات حول نشاط أعضاء جماعة الإخوان الموجودين على أراضيها، فيما تقدمت مجموعة منه بطلبات استجوابات إلى الحكومة البريطانية بشأن قيام أعضاء من تنظيم الإخوان بأنشطة مشبوهة على أراضيها، وطالبوا بطردهم خشية تأثيرهم على الأمن القومى البريطانى، بيد أن الموقف فى بريطانيا أكثر تعقيدًا من الموقف الفرنسى، حيث يرتبط حزب المحافظين البريطانى بعلاقات سياسية واقتصادية قوية مع الإخوان، كما أن هناك ما يقرب من ٤٠ مؤسسة اقتصادية وإعلامية وقانونية مؤثرة على مجتمع المال والأعمال البريطانى، بل إن وزارة الداخلية البريطانية أصدرت لائحة داخلية فى أغسطس ٢٠١٦ تمنح بمقتضاها أعضاء الجماعة حق اللجوء السياسى بها إذا ثبت تعرضهم للاضطهاد من قبل السلطات المصرية، إلا أن ذلك لم يمنع أن يتناول مجلس العموم البريطانى قضية التواجد والتأثير الإخوانى على البلاد هناك، مطالبًا بضرورة حظر نشاط هذا التنظيم الإرهابى فى المملكة المتحدة.
وفى ألمانيا كانت أجهزة الاستخبارات هناك قد رصدت تزايدًا لنفوذ الجماعة فى بعض المدن الألمانية، ومن أبرزها مدينة كولن التى أصبحت تمثل مقرًا رسميًا للجماعة هناك، وأصبحت شعبية الهيئات والمساجد التابعة للإخوان تتزايد بشكل مطرد، وهو الأمر الذى يثير القلق لدى تلك الأجهزة التى وصفت خطورة الجماعة بأنها أكبر من خطر التنظيمات المتطرفة الأخرى، مثل داعش والقاعدة، حيث إنها تسعى إلى ترسيخ وجودها فى الأراضى الألمانية، من خلال جذب اللاجئين العرب لألمانيا، وكذلك الأتراك، للانضمام إليها لاستخدامهم فى تحقيق أهدافها الخاصة.
وتعتمد جماعة الإخوان فى ألمانيا على برامج مدروسة بعناية، للتعامل مع المسلمين هناك من جميع الفئات العمرية، للسيطرة على أفكارهم وتوجهاتهم، بالإضافة إلى تقديم المعونات المالية لمن لا يعمل ومساعدتهم فى الحصول على فرصة عمل، وهو الأمر الذى دفع أجهزة الاستخبارات الألمانية إلى أن تسلط الضوء على نشاط الجماعة مؤخرًا هناك، وتشير فى أحد تقاريرها إلى أن أعضاء الإخوان المسلمين يستغلون التناقض بين جماعتهم والتنظيمات التى تنتهج العنف، مثل داعش، كوسيلة لطرح أنفسهم كبديل لا يتسبب فى مشكلات، إلا أن نفوذهم يمكن أن يؤدى إلى تهديد السلام الاجتماعى والوئام للدولة الألمانية. وإذا انتقلنا فى عجالة إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الجماعة الإرهابية، فسوف نجد أن هناك تغييرًا ملحوظًا فى تعامل الإدارة الأمريكية معها منذ تولى الرئيس الأمريكى ترامب الحكم هناك، خاصة بعدما تأكد من تورط الجماعة فى علاقاتها المشبوهة بينها وبين التنظيمات الإرهابية فى العديد من الدول، بالإضافة إلى التأكد من علاقتها الوطيدة مع إيران التى تشهد علاقات متوترة مع الإدارة الأمريكية الحالية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الأمريكى الحالى مايك بومبيو كان واحدًا من ثمانية نواب سبق أن قدموا مشروع قانون فى الكونجرس الأمريكى، يطالبون فيه الإدارة الأمريكية السابقة، برئاسة باراك أوباما، بإدراج جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب، وهو ما يشير إلى أن هناك العديد من المسئولين الحاليين فى الحكومة الأمريكية، باعتبارهم من الحزب الجمهورى المعارض للتمدد الإسلامى فى الولايات المتحدة الأمريكية، يؤيدون فكرة إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب، إلا أن هناك حالة من التخوف من ردود أفعال التنظيمات الإرهابية الموالية لجماعة الإخوان، والتى أعلنت مسئوليتها عن العديد من الحوادث الإرهابية التى تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية، والتى كان أخطرها على الإطلاق تدمير برجى مركز التجارة العالمى بمدينة نيوريوك، الذى ما زالت ذكراه راسخة لدى الشعب الأمريكى، وبالتالى فإن اتخاذ مثل هذا القرار يجب أن تتم دراسته بشكل متكامل سياسيًا وقانونيًا، والأهم من ذلك أمنيًا، تحسبًا من أى ردود أفعال قد تؤثر على الأمن القومى الأمريكى.
وهناك أيضًا بعض الدول الأوروبية الأخرى بدأت فى اتخاذ إجراءات احترازية ضد تغلغل جماعة الإخوان بها، من بينها النمسا التى أصدرت تعليمات بحظر رفع أو تداول العلم الخاص بجماعة الإخوان الإرهابية، ضمن ١٣ علمًا قامت الداخلية النمساوية بحظرها منذ شهر مارس الماضى، مع التنبيه على أن ذلك يعد خطوة فى طريق مكافحة التطرف بجميع أشكاله، وفى السويد تم اعتقال مجموعة من أعضاء المجلس التأسيسى لمؤسسة تسمى «الأزهر الإخوانية»، كما كشفت عن عمليات غسل أموال وتجنيد متطرفين لحساب تنظيم الإخوان الإرهابى.
من خلال هذا العرض السريع لموقف العديد من الدول الأوروبية الكبيرة وأيضًا الولايات المتحدة الأمريكية، يتضح لنا أن هناك تغييرًا ملحوظًا فى التعامل مع تلك الجماعة الإرهابية، وهو الأمر الذى يجب استثماره بشكل إيجابى من خلال التحركات الدبلوماسية والبرلمانية المصرية، لكشف الوجه الحقيقى لتلك الجماعة الإرهابية، من خلال عرض تاريخها الدموى القائم على الخيانة والقتل وترويع الآمنين، لعلنا نحقق النتيجة المرجوة، وهى تقويض تلك الحركة وتجفيف منابع تمويلها، وإنقاذ الشباب المغيب من الانضمام إليها ليسود السلام والوئام ربوع العالم.