وائل خورشيد يكتب: سر «بعض الشيء»
يحدث وأنت تمشي أحيانا، أن يعلق شيء ما في نعل حذائك، تحاول أن تبعده، فيظل يتأرجح ولكنه لا يرحل، يزعجك، لكنه لا يعرقلك.
هذا الذي لا يمكنك أن تمسكه، يراوغك ويركض داخل نفسك، يلاعب روحك ويداعبها، يفرحها ويغضبها، ثم يقف على طرف لسانك ويقفز في الهواء باسطا ذراعيه مع الهواء ويصيح في تباهٍ «أنا بعض الشيء».
• أنا بعض الشيء
هو الذي لا يكتمل، هامش حزن، ونصف فرح، شيء من الجوع، رغبات باهتة، هي أشياء موجودة بالفعل، لكن لا يمكنك أن تقول أنا سعيد مثلا، لأنك لست كذلك، أنت في منطقة بعض الشيء. لا أنت في وضع هادئ ولا صاخب.
اليقين عدوه الأوحد، فبعض الشيء حلقة وصل بين ما تدركه وتعيشه، وما فقدته ربما، أو تنتظره، أو تخشاه.
• شريك الماضي والحاضر
بعض الشيء يأتينا حينما نعرف فجأة مثلا، أن حبيب قديم سكن بيت آخر، ونحن كنا قد تجاوزناه ورحلنا قبل زمن، فينهض بعض الشيء هذا مترهلا من مكان مجهول، ليفعل فعلته، فلا يمكنك أنت أن تصرح بشيء، لأنه ليس هناك ما يقال حقا، فلا أنت متأثر بما مضى بشدة، ولا أنت تذكره.
بعض الشيء يشبه الفلفل الذي يكسو جرح مفتوح فيشعله نارًا، وإذا هاجمته، سيقول لك ليس لي شأن بأملك، فأنت كنت مصابا من قبل، وهذه طبيعتي.
• قص ولصق
هو يشبه «المونتاج» يقف عند ثانية محددة، ويدع الحياة تمضي، وعند نقطة أخرى يوقف التسجيل، ويهدأ، وفي وقت ما يظهر، ويضغط زر التشغيل، فتنظر للخلف، ترى أحداث تامة مكتملة منتهية، ولكن هناك «بعض شيء» في نفسك حولها.
• القرب منه خطر
ماكر هو جدا، فلا يمكنك أن تطرده، لتمرده، لأنك لو اقتربت منه جدا، سيضعك في قلب الشيء، ليورطك ويقف ينظر ويضحك.
بعد نبأ ما، تقول: أشعر بالحزن بعض الشيء! ولكن بشكل عام أنت لست كذلك، ولا يمكنك معه أن تستقر على حال.
بعض الشيء هذا شبيه بالأرق، يزعجك، ولا يفلتك، ولكن أيضًا لا يقتلك.
هو آلة زمن طبيعية متطورة جدا، أو وجه للشيطان ربما، مخلوق لم يُسم ولم يوصف بعد، ربما لأن مهمته لم يسلط عليها الضوء جيدا، لكني أؤكد لكم أني أراه، وهو يراني الآن، وأنا أقدمه لكم.. لاحظوه.