الروس فى مصر
تحتفل الأوساط الثقافية والفنية هذه السنة بعام مصر وروسيا، يأتى هذا الاحتفال فى إطار انفتاح مصر على قوى عالمية مختلفة، بعد سنوات من الدوران فى الفلك الأمريكى، والمقولة الشهيرة إن ٩٩٪ من أوراق اللعبة فى أيدى أمريكا.
يظن البعض أن العلاقات المصرية الروسية، لا سيما فى مجال الثقافة والفن، ترجع إلى العهد السوفيتى، والعلاقات الخاصة التى ربطت بين الاتحاد السوفيتى ومصر الناصرية بعد خلاف مصر مع أمريكا فى أعقاب مسألة تمويل السد العالى، وصفقة الأسلحة التشيكية. مَن لا يتذكر دار الشرق السوفيتية ومطبوعاتها الشهيرة، وحتى أسطوانات الموسيقى الروسية الشهيرة؟ كانت سينما أوديون فى القاهرة هى دار العرض للسينما السوفيتية، وفى مجال الإنتاج السينمائى المشترك نجد على سبيل المثال فيلم «الناس والنيل» ليوسف شاهين عن ملحمة بناء السد العالى والدور السوفيتى فى هذا الشأن.
لكن العلاقات الروسية المصرية فى حقيقة الأمر أقدم من ذلك بقرون عديدة، ولحسن الحظ تمت ترجمة أحد أهم الكتب فى هذا المجال، وهو كتاب «رحلة إلى ضفاف النيل المقدسة.. الروس فى مصر» للمستشرق الروسى الكبير «فلاديمير بيلياكوف»، وهى ترجمة رصينة جاءت على يد أحد أهم مترجمى الأدب والتاريخ الروسى الدكتور أنور إبراهيم.
يستعرض الكتاب فى الحقيقة المراحل والمجالات المختلفة للعلاقات الثقافية والدينية بين مصر وروسيا، وعلى وجه التحديد التأثير الروسى فى مصر فى هذا المجال، كما يرصد الكتاب نشأة الجالية الروسية فى مصر.
خُصِص الفصل الأول لمعالجة ظاهرة هامة هى زيارة الروس الأماكن المقدسة فى سيناء، لا سيما دير سانت كاترين، نظرًا لاشتراك الكنيستين الروسية والمصرية ودير سانت كاترين «الروم الأرثوذكس» فى الانتماء إلى المذهب الأرثوذكسى، ومن أهم النقاط فى هذا الفصل تتبع «الحجاج» الروس إلى سيناء.
وتناول الفصل الثانى موقع وصورة مصر فى الثقافة الروسية فى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حيث رصد المؤلف بدايات الاهتمام الروسى بعلم المصريات.
ومن النقاط المثيرة والجديدة فى هذا الفصل ظهور «النمط المصرى» فى العمارة والفن الروسى نتيجة الولع الروسى بالحضارة المصرية، وتتبع الكتاب أيضًا ظهور مصر فى الأدب الروسى.
ورصد المؤلف فى الفصل الثالث نشأة الجالية الروسية فى مصر وأوضاعها المختلفة عند مطلع القرن العشرين، وتتبع الكتاب دور البحارة الروس فى مصر، وأيضًا المهاجرين الروس ودورهم فى الحركة السياسية فى مصر.
واستكمالًا للفصل السابق، ولدراسة الجالية الروسية فى مصر، ركّز الكتاب على «الروس البيض» وظاهرة اللجوء إلى مصر بعد الثورة البلشفية فى روسيا ١٩١٧. وتتبع المؤلف بدأب وبراعة وجود ودور «الروس البيض» فى مصر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
وخُصِص الفصل الخامس والأخير لدراسة إسهام ممثلى الجالية الروسية فى الثقافة المصرية، من خلال الدبلوماسيين القيصريين السابقين والأرستقراطيين وأيضًا العسكريين وغيرهم.
وتميَّز الكتاب بملاحق غاية فى الأهمية ضمت بعض تعليقات الزوار الروس فى سجلات دير سيناء، وتعليقاتهم عن تمثال «أبوالهول»، وتقارير مهمة عن أوضاع الروس فى مصر آنذاك.
إنه بحق كتاب مهم يوضح بجلاء قِدم وعمق العلاقات الثقافية والدينية الروسية المصرية، ويُعيد النظر فى الفكرة الشائعة عن بدء هذه العلاقات فى العهد السوفيتى فحسب.