قرارات العفو الرئاسى
لم نكن على علم عندما كتبنا الأسبوع الماضى عن ضرورة الاهتمام بتفعيل ثقافة الحوار والاختلاف بأن هناك قرار عفو رئاسيًا سوف يصدر للإفراج عن مجموعة من المحكوم عليهم فى عدة قضايا، ومن بينهم بعض العناصر التى كانت قد انضمت لجماعة الإخوان الإرهابية فى وقت سابق.. ففى مبادرة جريئة تحسب للسيد وزير الداخلية قام سيادته بتشكيل لجان نوعية تضم بعض قيادات جهاز الأمن الوطنى وكذا رجال الدين والفكر، وذلك لإجراء مناقشات وحوارات فكرية لهذه العناصر فى إطار مشابه لمبادرة وقف العنف والمراجعات الفكرية، التى قامت بها الوزارة منذ أكثر من عشرين عامًا، وكان لى الشرف فى حضور جانب من تلك اللقاءات التى كانت تتم مع العديد من كوادر وقيادات الجماعة الإسلامية وأيضًا تنظيم الجهاد الإسلامى، والتى ترتب على نجاحها آنذاك عدول الكثير منهم عن أفكارهم المتطرفة، بل إعلانهم الندم على تلك الجرائم الدموية، التى تم ارتكابها أثناء انضمامهم لهذه التنظيمات والتى كان أسوأها على الإطلاق اغتيال الرئيس أنور السادات، وحادث البر الغربى فى الأقصر وحادث مديرية أمن أسيوط.
المهم أن تلك اللجان التى شكلها السيد الوزير قامت بعقد عدة لقاءات ومراجعات، حيث انتهت إلى إمكانية العفو الشرطى عنهم قبل انقضاء فترة عقوبتهم الأصلية، لعل ذلك يكون بداية لعدول الكثيرين منهم، خاصة من الذين انضموا للجماعة فى أعقاب ٢٠١١ اعتقادًا منهم بأن الجماعة هى الأجدر على قيادة البلاد، وأن هؤلاء الشباب سوف يكون لهم دور فى ذلك حتى تبين لهم ذلك الغش والخداع الذى تعرضوا له واكتشفوا أنهم لم يكونوا سوى أدوات لقيادات الجماعة يفعلون ما يؤمرون به دون مناقشة أو تفكير، إلى أن انتهى بهم الأمر إلى إيداعهم فى السجون، فى حين أن قياداتهم ينعمون بالحياة الآمنة والهادئة فى العديد من دول العالم يمارسون حياتهم بحرية وأمان.
وبناء عليه فقد صدر مؤخرًا قرار العفو الرئاسى رقم ٣٧٢٠٢٠ بالإفراج عن ٣٦٩ نزيلًا بالسجون المصرية فى جرائم مختلفة، وكان من بينهم ١٣٥ من المحكوم عليهم فى قضايا تتعلق بسابقة انضمامهم لجماعة الإخوان الإرهابية، والتى غررت بهم قياداتها من خلال مفاهيم مغلوطة تمكنوا خلالها من التأثير على أفكارهم ومعتقداتهم ودفعتهم إلى الاشتراك فى العديد من المظاهرات والاضطرابات التى أدت إلى التأثير السلبى على أمن وسلامة الأوضاع الداخلية للبلاد، الأمر الذى دفع قوات الشرطة المصرية إلى القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمات، حيث حكم عليهم بالسجن لمدد مختلفة لم تقل عن خمس سنوات.
وبمتابعة تعليقات وردود أفعال المفرج عنهم وجدنا أن جميعهم قد تعرضوا للتأثير السلبى عليهم من قبل كوادر الجماعة، خاصة أن معظمهم من الحرفيين والعمال البسطاء، والبعض الآخر من الطلبة، حيث كانت تلك هى الفئة المستهدفة، التى يسهل السيطرة والتأثير عليها.. وقد أعرب هؤلاء عن ندمهم وخطئهم بالاندفاع والدخول فى الجماعة بعدما تكشف لهم ما تعرضوا له من خداع وكذب القيادات الذين أقنعوهم بأن أحداث التظاهرات وافتعال الأزمات والتوترات والقلاقل فى الشارع المصرى هى الوسيلة لعودة الجماعة إلى سدة الحكم، وحينها سوف يكون لهؤلاء العناصر دور كبير فى المشاركة فى الحكم أو على الأقل الحصول على فرص عمل مناسبة لهم أفضل مما هم عليه حاليًا.
ولم يتوقع هؤلاء أن يتم الإفراج عنهم قبل انقضاء فترة عقوبتهم، الأمر الذى أكد لهم أن الدولة ليست عدوة لهم، بل هى الحضن الذى يحتوى أبناءها، بشرط أن يعودوا إلى صوابهم ويمارسوا حياتهم بعيدًا عن مظاهر العنف والتطرف.
وتراود البعض حالة من التشكك فى أن تلك العناصر قد لا تكون صادقة فى إبداء الندم على الانخراط فى تلك الجماعة، من منطلق أن الكذب والمراوغة هما أحد الأساليب التى تنتهجها الجماعة وتسمح بهما فى إطار إعمال مبدأ «التقية»، وأن ذلك قد يفيدهم فى إقناع السلطات بموقفهم الرافض للجماعة، إلا أن هذه المواقف قد تكون تنظيمية فقط، ولكن العقيدة والإيمان بمبادئ الجماعة تظل راسخة فى عقولهم.. وقد نشاركهم نحن أيضًا فى تلك التخوفات، ولكن يجب ألا ننسى أن هناك لجانًا على أعلى مستوى من الفكر والوعى، سواء كانت من رجال الأمن أو من رجال الدين والثقافة وجميعهم ارتأوا أن تكون هناك فرصة لمن أفرج عنهم، لكى يبدأوا حياة جديدة، بعيدًا عن تأثير فكر الجماعة وكوادرها، خاصة أن جميعهم لم يتوقعوا الإفراج عنهم، وبالتالى فجميعهم على يقين أن سلطة المنح من الممكن فى أى وقت أن تكون هى ذاتها سلطة المنع، ولذلك كان الإفراج عنهم إفراجًا شرطيًا وليس مطلقًا، بمعنى أنهم سوف يكونون تحت الملاحظة الأمنية بصفة مستمرة.
إلا أن ما يهمنا هنا أن نشير إلى نجاح فكرة الحوار والمناقشة مع مثل تلك الحالات التى لم تنغمس كلية فى وحل وفكر جماعة الإخوان الإرهابية، وأن هناك العديد منهم فى حالة تردد من وضعهم، وما إذا كانوا على صواب أو خطأ فى ولائهم لتلك الجماعة، وهؤلاء من الممكن جدًا أن يتم التحاور معهم من خلال الخبراء والمختصين من المسئولين، أمنيًا وفكريًا ودينيًا، ولعل البعض منهم يحيد عن ذلك الفكر الذى ثبت لتلك المجموعة التى أفرج عنها مؤخرًا- كما أعلنوا- أنه كان توجهًا زائفًا ومغلوطًا وكانوا هم ضحايا لقيادات الجماعة، الذين ينعمون بالحياة الهادئة والرغدة فى الدول التى سمحت لهم بالإقامة بها مثل تركيا وقطر، وتركت شباب الجماعة يتعرضون لعمليات الضبط والسجن ودفع فاتورة خداع وغش قياداتهم.
لقد عقدنا العديد من اللقاءات، التى كان آخرها «المبادرة الوطنية للتصدى لمظاهر التطرف والإرهاب» حيث فرقنا بين مفهوم التطرف، وهو ذلك السلوك المغاير للقواعد الفكرية والقيم والمعايير الشائعة فى مجتمع ما، وأنه قد يتحول من مجرد فكر إلى سلوك ظاهرى أو عمل سياسى يلجأ أحيانًا لاستخدام العنف كوسيلة لتحقيق المبادئ التى يؤمن بها كفكر متطرف، وهنا جاءت فكرة إمكانية مواجهة الفكر المتطرف، أيًا كان نوعه بالفكر المضاد له والمعتدل والوسطى الذى نادى به إسلامنا الحنيف.. وبين الإرهاب الذى خرج من تحت السيطرة وأصبح داء تنبغى مواجهته من خلال استهدافه وتحصين المجتمع منه بكل الوسائل المتاحة.
وبناءً عليه فإننا ندعو إلى دراسة إمكانية توسيع دائرة الحوار والمقارعة والمناقشات الفكرية مع من لم يلوثوا بعد بأعمال العنف والإرهاب التى يقع من خلالها الضحايا والأبرياء، لعلنا نجد منهم من يصلح أن يكون عنصرًا صالحًا يفيد وطنه وأبناء شعبه ويتمتع بنسائم الحرية التى حظى بها مؤخرًا بعض المفرج عنهم من العناصر المغرر بها من جماعة الإخوان الإرهابية الكاذبة.
وتحيا مصر..