الحاج إسماعيل محمد فرحان
حسنًا فعلت الهيئة المصرية العامة للكتاب، الهيئة المنظمة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، بأن استجابت لنداء رواده العام الماضى، فألغت فى دورة ٢٠٢٠ تكرار إجراءات الدخول الأمنية عند بوابات قاعات العرض، واكتفت بها عند البوابات الرئيسية لمركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية، الموضوع وفر طاقة أهدرها جمهور المعرض، العام الماضى، فى طوابير متواصلة ومستمرة، تحت شمسٍ حارة أحيانًا، وفى مهبة رياح شتاءٍ بارد معظم الوقت، كما منح الجمهور حرية الحركة بين قاعات العرض وأجنحة دور النشر، بما يسمح بزيارة أكبر عدد منها والاطلاع على مختلف إصداراتها، وبجانب حضور ندوة أو أمسية، أو لقاء كاتب وكتابه والحصول على توقيعه مع صورة للذكرى.
مرور عابر داخل أروقة معرض القاهرة الدولى للكتاب، يضعك أمام مشهد بانورامى حافل، يتصدره الكتاب وصناعه ومريدوه، أجنحة الهيئة المصرية العامة للكتاب، والهيئة العامة لقصور الثقافة، والمركز القومى للترجمة، أجنحة متفوقة على نفسها فى دورة هذا العام، تلافت العديد من سلبياتها فى الدورات السابقة، أصبحت حاضرة بوعىٍ مدرك لقيمة ما تمتلكه وتعرضه وتسوق له من مختلف كنوز المعرفة، كما وضعت يدها أخيرًا على أهمية ما تتمتع به من ميزة تنافسية فيما يتعلق بأسعار البيع ونسب الخصم، ولم تكن طرق وأشكال العرض وتصنيف العناوين والتواصل مع الجمهور إلا أفضل، فى هذه الأجنحة تحصل على كتب لا تقدر بثمن مقابل جنيهات قليلة.
أما دور النشر الخاصة، فنظرة سريعة على أجنحتها، تصنفها إلى ناشرين على القمة كالمعتاد، وناشرين اجتهدوا واستمروا فأصبحوا على مشارف القمة، وناشرين تواجدهم مميز بعدد من العناوين، وناشرين عددهم كبير، تواجدهم على الهامش، وأخيرًا «ناشرين أشبال» بتعبير صديقى الكاتب الصحفى محمد عبدالرحمن، وهؤلاء تواجدوا بصفة مراقب لاستعراض التجارب واستخلاص الدروس قبل المضى قُدُمًا فى سوق النشر، ولا تزال الرواية فى مقدمة اهتمامات القارئ، بينما يواصل عمر طاهر حضوره المتوهج، ويحكى محمد توفيق حدوتة على وصفية، فى دورة تحمل اسم الراحل الكبير جمال حمدان، وتهدى روحه جماهيرية مستحقة، من خلال منجزه التاريخى «شخصية مصر» المعروض فى أربعة أجزاءٍ بسعرٍ رمزى.
ماضى وحاضر ومستقبل الكتاب تراه فى معرض القاهرة الدولى للكتاب ٢٠٢٠، الكتاب بشكله التقليدى القائم فى الأساس على اسم المؤلف شكلًا، ومضمون الكتاب موضوعًا، والكتاب بشكله العصرى الطائر على جناحى الغلاف شكلًا، ومضمون أقرب إلى بوستات «فيسبوك» موضوعًا، والكتاب المسموع عبر التطبيقات الرقمية، والقابع فى بعض أركان المعرض محرجًا حرج الضيف فى زياراته الأولى، ومنذِرًا بيومٍ قريب تتبدل فيه الأحوال، فتشغل تطبيقات الكتب المسموعة قاعات العرض، بينما تتوارى الكتب المطبوعة خجلًا فى جنبات المعرض، والتحية هنا واجبة لقلة من دور النشر والكتاب والمؤلفين ومصممى الأغلفة، شكلوا معًا الخلطة السحرية المواكبة لإيقاع العصر، دون إهمال الرسالة أو الانحدار بقواعد لغتنا الجميلة.
لا تقلق، لن أنسى حكاية الحاج إسماعيل محمد فرحان، فهو فى تقديرى المشهد الـ«ماستر سين» فى معرض الكتاب ٢٠٢٠، الحاج إسماعيل هو أقدم زائر لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، حضر دورته الأولى عام ١٩٦٩، فى عهد مؤسسيه وزير ثقافة مصر الأشهر ثروت عكاشة، وتلميذه طه حسين، والنجيبة الدكتورة سهير القلماوى، رئيس الهيئة العامة للكتاب فى هذا الوقت، وكان المعرض وقتها يُقام بأرض المعارض بالجزيرة، موقع دار الأوبرا المصرية حاليًا، وانتظم الحاج إسماعيل بعدها فى حضور دورات المعرض سنويًا فى الجزيرة ومدينة نصر، والآن فى التجمع الخامس، سيرة الحاج إسماعيل محمد فرحان مع المعرض هى أصل حكاية الكتاب وفصلها، سيرة عنوانها الشغف.