درع وسيف
اليوم ونحن نقترب من الاحتفالات بأعياد الشرطة، وأيضًا ونحن نتابع تلك الإنجازات والافتتاحات التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لقاعدة برنيس العسكرية على الحدود الجنوبية للبلاد، وقبلها قاعدة محمد نجيب على الحدود الغربية للبلاد، حيث تشكلان جزءًا من قوام القدرة العسكرية المصرية التى يجرى تصنيفها وفقًا للأعراف العسكرية القوة السادسة فى العالم حداثة وتنظيمًا وتدريبًا، خاصة على ضوء تلك التحديات الأمنية التى تتعرض لها البلاد سواء من الداخل أو من الخارج- أتذكر تلك المقولة الشهيرة التى قالها الرئيس الراحل أنور السادات فى أعقاب انتصار أكتوبر ١٩٧٣ إنه على الشعب المصرى أن يفخر بأنه قد أصبح له «درع وسيف».
عندما نستعرض تلك الأجواء التى تولى فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى قيادة سفينة الوطن، كانت مصر تتعرض لأوضاع أمنية واقتصادية وأيضًا سياسية غير مسبوقة من التردى والتخبط والإرهاب والتخريب والمؤامرات، وهو الأمر الذى أشار إليه سيادته فى أنه تسلم أمانة المسئولية ونحن «شبه دولة»، ولكنه استطاع بالصبر والمثابرة أن يتخطى تلك المرحلة بالرغم من صعوبتها وخطورتها، وتحمل معه الشعب المصرى الكثير من المعاناة وضحى بأبنائه من رجال القوات المسلحة والشرطة الذين سقطوا شهداء فى مواجهة الإرهاب والإرهابيين على مدى عدة سنوات، إلى أن استقرت الأوضاع نتيجة إحكام القبضة الأمنية من خلال الضربات الاستباقية، وكذلك سيطرة القوات المسلحة الباسلة على المناطق التى تتمركز بها العناصر الإرهابية فى شمال سيناء والعريش. وما إن دان لنا استقرار الأوضاع الداخلية حتى ظهرت لنا تلك المشاكل الإقليمية التى تتفنن قوى الشر فى تصديرها للبلاد، وعلى رأسها قضية سد النهضة، ثم المشكلة الليبية وكلاهما يمثل خطورة كبيرة على الأمن القومى المصرى، وهنا نشير إلى تلك الكلمة التى قالها السيد الرئيس لوفد البنك الدولى إن قضية مياه النيل قضية حياة ووجود وليست قضية تنمية.
إننا نعيش فى منطقة شديدة الاضطراب والحساسية تتقاطع فيها مطامح ومطامع إقليمية ودولية واسعة، ومن هنا فقد أصبح لزامًا على مصر أن تتسلح بأقصى درجات الحذر واليقظة والقوة، كى تحمى أمنها واستقرارها، خاصة أن الأوضاع الداخلية لمعظم دول المنطقة المجاورة تعانى من الضعف والتفكك والانقسامات الداخلية، ولعل الشأن الليبى أكبر مثال على ذلك، حيث يرتبط أمنها على نحو عضوى مباشر بأمن مصر ويكاد يكون أمن الدولتين جزءًا لا يتجزأ بينهما. ومن هنا كانت المطامع الإقليمية التى تترصد بالوضع الداخلى الليبى تلقى بظلالها على اهتمام القيادة السياسية المصرية بل الشعب المصرى كله لمواجهة تلك التهديدات التى يتزعمها الرئيس التركى أردوغان بغزو ليبيا بدعوى أن قواته مدعوة لحماية حكومة فايز السراج التى تحكم أغلب مدن الغرب الليبى، والتى تسيطر عليها ميليشيات جماعة الإخوان الإرهابية، فى حين أن السبب الحقيقى لهذا التدخل السافر نهب ثروات الدولة الليبية التى تعانى حالة الانقسام والتشرذم واقتسام المصالح فى المنطقة الاقتصادية لحوض البحر المتوسط على حساب الشرعية والقانون، وها هو يرسل أعدادًا من مقاتلى تنظيم داعش الإرهابى المتواجد فى محافظة إدلب بسوريا إلى طرابلس ومصراتة، حيث وصل عددهم حتى الآن إلى ٣٦٠٠ عنصر إرهابى مدرب على أعلى القدرات القتالية، خاصة فيما يتعلق بحروب العصابات والدروب والصحراء، ولولا كفاءة قوات مصر المسلحة وقدرتها على حماية مصالحها على مختلف الجبهات، لأصبح الأمن المصرى تحت التهديد المباشر لمطامع دول وجبهات عديدة تتربص شرًا بمصالح مصر الاستراتيجية والأمنية. ولعل ما تتعرض له مصر من مخاطر يأتى مندرجًا تحت تلك العبارة التى ذكرها أيضًا الرئيس فى أننا نتعامل مع القضايا الإقليمية التى تمس أمننا القومى بشرف فى زمن لم يعد فيه شرف، إلا أن هذا الشرف يجب أن يكون مدعومًا بالقوة التى تحميه وتعلى كلمته على جميع الأصعدة السياسية والعسكرية، ولا يقف بعيدًا أيضًا بجانب المشكلة الليبية تلك التطورات التى وصلت إليها مفاوضات سد النهضة، والتى تعرضت لمنعطفات كثيرة ومناورات عديدة من الجانب الإثيوبى حتى تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى كشريكين فى المفاوضات الدائرة بين أطراف القضية، وأغلب الظن أن هناك حلحلة فى تلك المباحثات والتى نأمل ألا تكون على حساب نصيب مصر من مياه النيل الواردة إلينا من الهضبة الإثيوبية والتى تمثل ٨٥٪ من نصيبها فى مياه النيل، وذلك بالرغم من أن مصر تملك الوسائل القانونية التى تحفظ حقوقها فى قضية وجود ومصير وحياة شعب لم يسع أبدًا ليستأثر وحده بمياه النيل بحسبانها دولة المصب الأخيرة، والتى لا تملك أى دولة من دول حوض النيل العشر الأخرى أن تمنع عنها وصول المياه، ومع ذلك فقد كانت مصر حريصة على أن تمد يدها لأشقائها الأفارقة للمشاركة فى صناعة حضارتها ومستقبلها، إلى أن تمكنت القوى الاستعمارية من أن تلعب دورها فى إحداث الشقاق والتوتر فى علاقات دول القارة السمراء بعضها بعضًا لنهب كنوزها وتقاسم ثرواتها.
لم يكن إذن افتتاح قاعدة برنيس العسكرية وأيضًا مناورة قادر ٢٠٢٠ بكل ما شهدته من أسلحة متطورة سواء كانت بحرية أو جوية، هو اللافت لأنظار جميع المتابعين من دول العالم المختلفة، بل إن توقيت الافتتاح والمناورة نفسه يدل على عبقرية غير مسبوقة وذلك لإرسال إشارات لجميع قوى الشر التى تتربص بأمننا القومى بأن تطوير مصر قدراتها العسكرية لا يعتبر عملًا من أعمال الرفاهية، وإنما هو ضرورة فرضتها الأوضاع الإقليمية المتردية والأطماع الدولية المتزايدة على المقدرات الاقتصادية فى المنطقتين العربية والإفريقية، والتى من المؤكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد أحسن قراءتها بحكم خبرته السابقة فى العمل الاستخباراتى، حيث كان يشاهد طبول الحرب تدق فى سماء المنطقة من إيران إلى اليمن ومن اليونان إلى ليبيا، ومن بحر العرب إلى مضيق هرمز ومن البحر الأحمر إلى شرق البحر المتوسط.
فى العلوم العسكرية الحديثة يطلق على افتتاح هاتين القاعدتين العسكريتين العظيمتين فى جنوب وغرب البلاد «سياسة الردع»، والمقصود بها «أن تشعر خصمك بأنه سوف يخسر كل شىء فى صراعه معك، وأنك بالفعل جاد فى الوصول إلى النهاية»، وهو ما أشار إليه جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكى فى الخمسينيات، وقد ترتب على ما قامت به قواتنا المسلحة قيام تركيا بإعادة ترتيب أوراقها انتظارًا لنتائج اجتماعات مؤتمر برلين الذى عقد أمس الأول الأحد، والذى شاركت فيه مصر بحسبانها أهم القوى الإقليمية التى تتاخم حدودها الحدود الليبية، وبالتالى فإن أى تأثير سلبى على الأوضاع هناك سوف يكون له مردود قوى من قبل قواتنا المسلحة حفاظًا على أمننا القومى.
يبقى كل هذا فى الوقت الذى تحقق فيه أيضًا أجهزة الشرطة المختلفة نجاحات تلو الأخرى فى مواجهة فلول الإرهاب، وتوجيه الضربات الاستباقية التى استطاعت من خلالها أن تجهض العديد من العمليات الإرهابية، وتصدر لهم الخوف واليأس من مواصلة تلك المحاولات.
كل هذا يدفعنا لأن نفاخر بقواتنا المسلحة والشرطة المصرية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، ونقول بكل ثقة وقوة إنه قد أصبح لدينا بالفعل «درع وسيف».