لويس عوض والعصر العثمانى
يمكن اعتبار لويس عوض آخر الجيل الليبرالى، جيل ثورة ١٩، هذا الجيل الذى تأثر بشدة بفكرة القومية المصرية، والارتباط الحضارى بالغرب. وقد بدأ لويس عوض فى الستينيات من القرن الماضى مشروعه الكبير لإعادة قراءة تاريخ مصر الحديث، ويرى لويس عوض أن الدافع وراء مشروعه ذلك هو هزيمة يونيو ١٩٦٧، وما سببته من انكسار فى نفسية الشعب المصرى، دعته لمراجعة الذات، والبحث عن الأسباب الحقيقية للهزيمة.
يقول لويس عوض: «منذ أن دخلنا امتحان ٥ يونيو بدأ عديد من الكتاب فى استقصاء الأسباب والنتائج. وفى اعتقادى أن من أهم ما كُتِب فى باب التفتيش فى أعماق النفس دعوة بعض الكتاب إلى إعادة النظر فى وضعنا الحضارى وإلى إقامة كياننا بمقومات الدولة الحديثة، وقد كان جوهر رأيهم أن سر ضعفنا هو عدم استكمالنا لأدوات الحياة الحديثة».
هكذا يبدأ لويس عوض «الليبرالى» مشروعه لـ«البحث عن الذات» أو البحث عن أسباب الهزيمة، أو فى الحقيقة «إعادة إحياء المشروع الليبرالى من جديد»؛ إذ يرى عوض أن تاريخ مصر الحديث يبدأ من احتكاك مصر بأوروبا، أو فى الحقيقة منذ الحملة الفرنسية، وستكون هذه النقطة الأخيرة هى محور الارتكاز فى مشروعه لإعادة قراءة التاريخ، وأيضًا نقطة ضعفه سواء فى «التهويل» فى طبيعة الاستنتاجات التى يخرج بها، أو حتى فى طبيعة تلقى القارئ- بعد هزيمة يونيو- لمشروعه، يقول لويس عوض:
«هذه محاولة متواضعة لرصد تاريخ الفكر المصرى الحديث ومكوناته، متى احتكت مصر بأوروبا؟ وكيف احتكت؟ وما أثر هذا الاحتكاك فى حياتنا؟»
وهكذا تصبح نقطة الانطلاق عند لويس عوض هى الحملة الفرنسية، أما الفترة السابقة عليها- وهى الفترة العثمانية- فهى بمثابة العصور الوسطى، مُطَبِقًا النموذج الأوروبى على فترات التاريخ المصرى:
«فليس منا من يجهل أن مصر لم تخرج من ظلمات العصور الوسطى التى نشرتها الإمبراطورية العثمانية فى كل ما ملكت من الأمصار إلا منذ مائة وسبعين عامًا، حين دخلت مصر لأول مرة فى علاقات مباشرة مع أوربا».
هكذا يبلور لويس عوض فكرته الأساسية لمشروعه حول بداية تاريخ مصر الحديث نتيجة «المؤثرات الأوروبية»، أو فى الحقيقة «المؤثرات الفرنسية» فى تاريخ مصر الحديث، ويغض الطرف عن الفترة العثمانية على أساس أنها فترة «العصور الوسطى». وللتأكيد على ذلك يدمج لويس عوض عصر سلاطين المماليك مع العصر العثمانى تحت مقولة «عصور الإقطاع»، ولذلك يبدأ تاريخه بالحديث عن الثورات الشعبية فى العصرين المملوكى والتركى، لإبراز رفض «المصريين» للغزاة الأجانب حتى لو تستروا تحت ستار الدين، وهى المقولة الأساسية فى مشروع التيار القومى المصرى «الليبرالى».
ويظهر غرام لويس عوض بـ«المؤثرات الغربية» فى تاريخ الفكر المصرى الحديث، خاصةً المؤثرات الفرنسية، واضحًا فى قصة الماجنا كارتا المصرية رغم أنها مقتبسة من النموذج الإنجليزى؛ إذ يزعم لويس عوض أن علماء الأزهر ربما قد تأثروا وهم يعقدون هذه الحُجة على المماليك بأحداث الثورة الفرنسية وميثاق حقوق الإنسان، حتى قبل مجىء الحملة الفرنسية إلى مصر:
«وغير معروف إن كانت فكرة أخذ تعهد كتابى على الحاكم قد نشأت من تلقاء نفسها فى رءوس العلماء المصريين، أم أنها كانت صدى لما حدث فى الثورة الفرنسية أيام إعلان حقوق الإنسان، بلغ أسماع المثقفين المصريين واهتزت له قلوبهم كما اهتزت قلوب الناس فى كل أرجاء العالم المتحضر».
ولا تتفق هذه «التخريجة» مع وقائع تاريخ مصر فى العصر العثمانى، فليس هناك أدنى دليل على أن علماء الأزهر قد سمعوا حتى بحدوث الثورة الفرنسية، فما بالنا بتفهمهم لإعلان حقوق الإنسان؟! ناهيك أنه حتى فى أيام الحملة الفرنسية فى مصر لم يكن الحوار الحضارى بين علماء الأزهر وعلماء الحملة الفرنسية على ما يرام للعديد من الأسباب اللغوية والدينية والثقافية. لكنه ولع الليبرالى الكبير لويس عوض بتطبيق النموذج الأوروبى على تاريخ الفكر المصرى الحديث، كما أن لويس عوض فى الحقيقة كان بمثابة المُدافِع الليبرالى الأخير بعد هزيمة ٦٧ قبل تصاعد المد الإسلامى، من هنا سيتعرض لويس عوض للعديد من الانتقادات الحادة من جانب التيار الإسلامى بعد ذلك.