قصور الثقافة ومواجهة الإرهاب
تمثل قصور الثقافة أحد خطوط الدفاع والمواجهة فى معركتنا ضد الإرهاب والتطرف والشائعات والفتن، وأيضًا الجهل والمرض.. حيث تعتبر المواجهة الفكرية عنصرًا مساعدًا ومهمًا بجانب المواجهات الأمنية والضربات الاستباقية.
كان لقاء السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، الذى تم مؤخرًا بمثابة توجيه لإعادة تأهيل قصور الثقافة، وفى ذات الوقت تكليف بأن يتوسع نشاطها بشكل أفضل، وأن يكون أكثر تأثيرًا فى عملية تحصين الشباب ضد الأفكار المتطرفة، علاوة على نشر التوعية والفنون لتحقيق رسالة الوزارة بل الدولة بأكملها، فى تعزيز القيم الإيجابية داخل المجتمع وترسيخ الهوية المصرية لشبابنا الواعد.
كانت فكرة قصور الثقافة قد بدأت مع أوائل القرن العشرين، حيث تمثلت فى تعليم الكبار ثم تطورت فى أهدافها لتشمل جميع فئات الشعب، وكذلك جميع ما يتعلق بالأنشطة الثقافية والفنية لتتحول بعد ذلك إلى هيئة عامة ذات طبيعة خاصة، وأصبح اسمها الهيئة العامة لقصور الثقافة بعد أن كانت تسمى الثقافة الجماهيرية.. ووصل عددها حاليًا إلى حوالى ٥١٢ فرعًا ما بين قصور وبيوت ومكتبات عامة موزعة على كل أنحاء الجمهورية، ويتم حاليًا الإعداد لافتتاح أعداد أخرى منها لتغطى العديد من المراكز بل القرى المختلفة، وذلك لممارسة أهدافها التى أشار إليها السيد الرئيس فى لقائه وزيرة الثقافة.
كانت الأحداث التى تعرضت لها الدولة المصرية بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ قد شهدت محاولات جماعة الإخوان طمس الهوية المصرية، وتغييب العقل ومحو الثقافة والتنوير، حيث تم حرق البعض من تلك المراكز الثقافية، وأهمها ذلك الكائن بمنطقة البحر الأعظم بمحافظة الجيزة، والذى كان يعد إحدى منارات الثقافة فى تلك المحافظة، علاوة على ذلك الإهمال والتجريف الذى شهدته معظم قصور الثقافة والمكتبات العامة خلال تلك المرحلة.. إلى أن امتدت إليه مؤخرًا يد الإصلاح والتحديث والاهتمام وإعادة تأهيل العديد منها، لممارسة دورها الفاعل فى رسالة التثقيف والتنوير والوعى.. ومن أبرز تلك المواقع التى تم إعادة افتتاحها بعد توقف دام ٣ سنوات قصر ثقافة السينما بجاردن سيتى بالقاهرة، والذى شهد فى فترة من الفترات نهضة فنية كبيرة، حيث كان ملتقى للفنون المختلفة، سواء كانت سينمائية أو مسرحية.. وها هو يعود بكامل طاقته وأحدث أجهزته ليستعيد ريادته على مستوى المنطقة العربية كإحدى منارات الفكر والثقافة والتنوير.
والآن نعود لتوجيهات السيد الرئيس فيما يتعلق بالدور الحيوى والأمنى لقصور الثقافة، حيث يعرف سيادته أن هناك العديد من المراكز والقرى وبعض المحافظات، كانت قصور الثقافة فيها تلعب دورًا حيويًا فى مواجهة الفكر المتطرف، حيث كان الكوادر الإخوانية وشيوخ السلفية يحاولون دائمًا استقطاب العناصر الشبابية وتجنيدها من خلال بث الفكر التكفيرى لديهم، مستغلين فى ذلك ضعف المواجهة الفكرية والثقافية التى تتصدى لهم فى ضوء غياب نشاط قصور الثقافة والقائمين عليها، نتيجة لعدة عوامل من بينها ضعف الميزانية الخاصة بالهيئة، وكذلك عدم الاهتمام بالدور التوعوى الذى من المفترض القيام به والاكتفاء ببعض الأنشطة الثانوية والموسمية، والتى كانت تتم خلال المناسبات الوطنية فقط دون ممارسة أى أنشطة أخرى فيما بين تلك المناسبات.
ومن هنا فإننى على يقين بأن وزيرة الثقافة سوف تبذل جهودها فى سبيل استعادة هذا الدور الحيوى لمنابر التنوير الثقافية على مستوى الجمهورية، مستهدفة فى ذلك القرى والنجوع والمناطق الحدودية التى تمثل خطوط الدفاع الأولى للدولة المصرية، وأعتقد أن لديها خطة عمل وخارطة طريق للارتقاء بتلك المنابر وعدم قصرها على المناسبات والاحتفالات فقط، بل التوسع فى أهدافها لتشمل المناقشات الفكرية والندوات التوعوية، وأيضًا تلك الجولات التى يجب أن يقوم بها كبار المثقفين ورجال الدين وأصحاب الفكر لمحافظات مصر المختلفة ليقوموا بواجبهم فى التصدى للأفكار الهدامة ومحاولات الفتن ونشر الشائعات التى يحاول أهل الشر بثها بين الشباب، مستغلين فى ذلك الفراغ والبطالة التى تحاول الدولة تجاوزها بإلحاقهم بالعمل فى المشروعات التنموية بالمدن الجديدة.
إن المواجهة الفكرية والثقافية لا تقل فى أهميتها إطلاقًا عن المواجهة الأمنية بل إنها تأتى فى مرحلة متقدمة عنها، خاصة لو أحسن اختيار الكوادر والشخصيات القادرة على القيام بهذا الدور فى نشر الفكر الوسطى والوعى القومى، والارتقاء بمفهوم المواطنة والمشاركة الفعالة فى النهوض بالشباب، وتأهيلهم ليقوموا بدورهم الفاعل فى الحفاظ على أمن وسلامة الوطن من تلك الأفكار والمحاولات الهدامة التى يحاول أعداء الوطن التأثير عليهم بها.
وفى هذا الإطار فإننى أتذكر مشاركتى فى العديد من المناظرات الفكرية التى كانت تتم بين بعض العناصر الذين كانوا متأثرين بالأفكار التكفيرية وأسباب عدولهم عنها، وكيف كان لتلك المناظرات تأثير إيجابى على الشباب المشاركين فيها، حيث كان الحوار يدور حولهم ومعهم، وكانوا يشاركون فى الأسئلة للوقوف على أسباب تأثرهم بتلك الأفكار ثم أسباب عدولهم عنها، وكيف كانت تلك المناظرات تتم فى بعض قصور الثقافة بمشاركة بعض الإعلاميين المقبولين جماهيريًا، والمعروف عنهم المصداقية والحيادية، وهو ما كان يضفى عليها الجدية والتأثير الإيجابى على الحضور بشكل أفضل بكثير من تلك البرامج الحوارية أو تلك التى تكون من خلال تبنى قضية معينة ومحاولة التصدى لها أو إفشالها، حسبما تقتضى الأمور، وهو ما يفقد تلك البرامج الحيوية والمصداقية التى يريدها الشباب.. كذلك الحال فإن هناك العديد من الكوادر الأمنية السابقة، والتى شاركت فى مواجهة أصحاب الفكر المتطرف من خلال ما عرف بـ«المراجعات الفكرية»، وكيف استطاع هؤلاء أن يعيدوا أعدادًا كبيرة من الشباب الذين تأثروا بتلك الأفكار المنحرفة إلى جادة الصواب، بل يعودوا مرة أخرى لممارسة حياتهم ونشاطهم ووجودهم فى المجتمع بشكل طبيعى ومقبول، بل إن هناك البعض منهم يقوم حاليًا بدور كبير فى محاربة هذه الأفكار التى كانت تسيطر عليهم هم أنفسهم فى وقت من الأوقات.
لا شك فى أن الدكتورة وزيرة الثقافة لن تألو جهدًا فى القيام بهذا الدور الحيوى لقصور الثقافة ومنابر التنوير على مستوى الجمهورية، من خلال خطة محكمة أتمنى أن يعاونها فى ذلك جميع الأجهزة والوزارات التى لها دور جماهيرى، مثل وزارات الأوقاف والداخلية والتعليم، والعمل لتكوين منظومة ثقافية توعوية تسهم فى نشر الوعى وبث روح الولاء والانتماء ومواجهة الفكر الإرهابى المتطرف حفاظًا على مستقبل شباب الوطن.
وتحيا مصر.