بين أهمية القارة الإفريقية وهمومها
مع كل هذا الزخم والنجاح الذى يحققه المنتدى الثالث لشباب العالم حاليًا بمدينة شرم الشيخ، إلا أننى أشعر بأن رئاسة مصر اتحاد دول إفريقيا خلال عام ٢٠١٩، وذلك التوجه المباشر والاهتمام غير المسبوق من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، قد كشف لنا عن حقائق كثيرة أعتقد أنها كانت غائبة عن قيادات الدولة المصرية السابقين منذ عقود طويلة.
هنا لا بد من أن نعترف بأن قضايا إفريقيا قد انسحبت من اهتمامات أجندة العلاقات الخارجية لمصر سنوات طويلة سابقة، وأننا لم نعط تلك العلاقات أهميتها اللازمة، وأصبح المطلوب الآن، بعدما استطاعت مصر خلال عام واحد من رئاستها الاتحاد الإفريقى أن تحقق إنجازات كثيرة، واستطاع الرئيس أن يمد جسورًا كثيرة كانت قد تقطعت بين مصر وإفريقيا، وذلك من خلال تلك المشاركات التى قام بها سيادته للعديد من المؤتمرات الدولية التى تناقش العلاقات بين دول إفريقيا والعالم، وكذلك تلك التى أقيمت فى مصر لمناقشة مستقبل التنمية فى إفريقيا- أن نبنى على هذه النجاحات لاستكمال استعادة الدور الريادى المصرى داخل القارة.
ولعل احتضان مدينة أسوان الهادئة منذ عدة أيام المنتدى الأول للسلام والتنمية فى إفريقيا كان أكبر دليل على هذا الاهتمام.. ناهيك أيضًا عن استضافتها أعمال اللجنة الوزارية المتخصصة للدفاع والأمن والسلامة الإفريقية، التى تستمر حتى يوم ١٩ الجارى بالعاصمة الإدارية الجديدة، وذلك لمناقشة قضايا الدفاع والأمن بالقارة، وهى تعقد على ثلاثة مستويات تتشكل من الخبراء ورؤساء الأركان ووزراء الدفاع، للخروج بتوصيات لعرضها على القمة الإفريقية القادمة لاعتمادها من دول الاتحاد الإفريقى لتدخل حيز التنفيذ.
وعلى الرغم من أن معظم المؤتمرات التى احتضنتها مصر بخصوص إفريقيا كانت تدور حول التنمية المستدامة وتمكين الشباب والمرأة، إلا أن الشأن الأمنى دائمًا ما كان يفرض نفسه على الجانب الأكبر منها، بحسبان أن العديد من الدول الإفريقية تمثل عمقًا وأهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للدولة المصرية.. ولعل ما شهدته الأيام القليلة الماضية من عمليات إرهابية استهدفت بعض دول القارة تؤكد صواب رؤية السيد الرئيس فى هذا الشأن.
لقد وقع حادث إرهابى كبير استهدف معسكرًا للجيش فى دولة النيجر فى أول أيام منتدى أسوان للسلام والتنمية فى إفريقيا راح ضحيته ٧٠ جنديًا ومدنيًا، وهو الأمر الذى أدى إلى مغادرة السيد محمدو إيسوفو، رئيس النيجر، أسوان وعودته إلى بلاده لمتابعة تداعيات الحادث هناك، ومنذ يومين قامت عناصر من جماعة بوكوحرام الإرهابية بالهجوم على إحدى القرى شرق نيجيريا أسفر عن مقتل ١٥ وإعدام ٤ موظفى إغاثة كانوا رهائن.
وخلال لقاءات الرئيس السيسى مع رئيس النيجر قبل مغادرته البلاد، أوضح الأخير أن التحديات الأمنية التى يفرضها الوضع فى إقليم الساحل الإفريقى أصبحت تمثل خطرًا كبيرًا على الدول المطلة عليه، بسبب انتشار الجماعات الإرهابية وزيادة عدد أفرادها، بالإضافة إلى الدعم الخارجى الذى يتلقونه من الدول الراعية للإرهاب، وهو الأمر الذى أصبح يستوجب ضرورة تكاتف المجتمع الدولى لمجابهة هذا الخطر المتنامى، ويقترب هذا الحديث مع ما دار أيضًا مع الرئيس التشادى إدريس ديبى، حيث تعانى بلاده من عناصر داعش الهاربة من سوريا وليبيا والعراق، والتى بدأت تغادر الأراضى الليبية هروبًا من الجيش الوطنى الليبى الذى بدأ يفرض سيطرته على مناطق كبيرة من المناطق الليبية، والتى كانت ملاذًا لتلك العناصر.
وهنا يجب أن أشير إلى أن هناك صراع وجود من المتوقع أن يحدث بين عناصر تنظيم داعش الهاربة إلى بعض الدول الإفريقية والجماعات الإرهابية الأخرى الموجودة أساسًا بها، مثل تنظيم القاعدة وبوكوحرام، حيث تشير المعلومات إلى أن داعش استطاع شق صفوف تنظيم القاعدة فى نيجيريا، وأصبح هناك صراع قاعدى داعشى على بنية الجماعات الإرهابية، خاصة فى ظل استغلالها الضعف الذى تعانى منه المؤسسات الأمنية والعسكرية فى المنطقة، ما يسهل حركتها وحصولها على السلاح واستهداف المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وهنا أيضًا يجب ألا ننسى تلك المبايعات لآلاف المقاتلين فى الصومال وتشاد وشمال نيجيريا لتنظيم داعش فى ٢٠١٨ والمستمرة حتى الآن.
ثم جاء لقاء السيد الرئيس مع الرئيس السنغالى فى مؤتمر أسوان، حيث عرض سيادته تطلع مصر لتعظيم التعاون مع السنغال فى مكافحة الفكر المتطرف، كونها أحد مراكز نشر الفكر الإسلامى الوسطى المستنير فى منطقة غرب إفريقيا.
ومن هذا المنطلق فقد أعلن سيادته عن أنه قد تم الاتفاق على اعتماد الاتحاد الإفريقى مبادرة «إسكات البنادق» بحلول عام ٢٠٢٠، والتى تهدف إلى القضاء على كل النزاعات والصراعات فى القارة، من خلال أطر تنفيذية واضحة تعالج جذور النزاعات وتسهم فى إعادة الإعمار والتنمية، بحسبان أن تفعيل تلك المبادرة يمثل ركنًا أساسيًا فى تحقيق الاستقرار والأمان فى ربوع القارة الإفريقية، ويجعلها متفرغة ومستعدة تمامًا للقضاء على الإرهاب والتطرف وعناصره التى تحاول التغلغل والتسلل إلى دول القارة.
من ناحية أخرى، فقد كان واضحًا فى جميع تلك اللقاءات أن هناك إرادة سياسية حقيقية لدى قادة الدول الإفريقية، لتحصين دولهم وشعوبهم من أى حروب أو نزاعات، وكذلك تنقيتها من الأفكار المتطرفة والعناصر الإرهابية.
وقد أوضح السيد الرئيس فى مداخلاته أثناء المنتدى أن الوقت الحالى هو الأنسب لبحث التحديات التى تواجه دول القارة الإفريقية، وفى مقدمتها تفشى وباء الإرهاب وما يرتبط به من ظواهر لعل أخطرها تهريب وانتشار السلاح وتعاظم الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية والمخدرات، وجميعها تؤثر بلا شك سلبًا على الأمن والسلام والرفاهية التى يحاول قادة الدول الإفريقية تحقيقها لشعوبهم بحسبان أن هذه حقوق إنسانية وأن شعوب القارة السمراء جديرة بأن تنعم بهذه الحقوق كباقى شعوب العالم.
لقد أثبتت الدولة المصرية ورئيسها جدارتهما فى قيادة القارة الإفريقية لتحقيق تنميتها المستدامة واستقرارها وأمنها، ولعل التجربة المصرية الرائدة فى مكافحة الإرهاب ثم البدء فى بناء حضارتها الحديثة، تكون منهاج عمل وقدوة لكل دول القارة الإفريقية التى نتشرف بالانتماء إليها ونعمل على رفعة شأنها وتحقيق استقرارها.
وتحيا مصر.