إنها القاهرة.. كم قهرت جبابرة
«إنها القاهرة.. كم قهرت جبابرة»، مقولة يعرفها كل من اهتم بتاريخ القاهرة، إنها المقولة المحفوظة فى كتب التاريخ القديمة، ومن دواعى الابتهاج أن يُصاحب الاحتفال بمرور ألف ومائة وخمسين عامًا على نشأة القاهرة صدور الموسوعة التاريخية: «القاهرة.. خططها وتطورها العمرانى» لمؤلفها المؤرخ الكبير الدكتور «أيمن فؤاد سيد» أستاذ التاريخ الإسلامى، وأيضًا مُحَقق الكثير من المخطوطات التاريخية ورئيس الجمعية التاريخية، وبالمناسبة هو ابن أحد أهم مُحققى التراث العربى الأستاذ «فؤاد سيد».
صدرت الموسوعة فى ثلاثة مجلدات كبيرة وملحق إضافى لأهم خرائط القاهرة. خصص المؤلف الجزء الأول للتطور التاريخى لعمران القاهرة، منذ ما قبل دخول العرب، متابعًا ذلك وصولًا إلى القاهرة المعاصرة، إذ تتبع تطور موقع القاهرة منذ ما قبل الإنشاء وصولًا إلى تأسيس القاهرة على يد الفاطميين، وكيف انتقل ملكهم إليها، حيث أصبحت القاهرة عاصمة الدولة الفاطمية، وتابع المؤلف تطور القاهرة على يد الدولة الأيوبية، وأسهب الكتاب فى وصف التحولات الكبرى لمدينة القاهرة فى عصر سلاطين المماليك، ومن المثير فى هذا الشأن ما أورده المؤلف نقلًا عن العلامة ابن خلدون، الذى جاء وعاش فى القاهرة، حيث وصف ابن خلدون القاهرة آنذاك قائلًا: «رأيت حاضرة الدنيا وبستان العالم، ومدرج الذر من البشر، وإيوان الإسلام وكرسى الملك، تلوح القصور والأواوين فى جوها، وتزهر الخوانك والمدارس بآفاقها، وتضىء البدور والكواكب من علمائها.. ومررت فى سكك المدينة تغص بزحام المارة، وأسواقها تزخر بالنعم». وختم حديثه بمقولة: «من لم يرها- القاهرة- لم يعرف عز الإسلام». وتتبع أيمن فؤاد سيد أوضاع القاهرة بعد دخول العثمانيين القاهرة وحكمهم مصر عدة قرون منذ عام ١٥١٧: «رغم فقد القاهرة لمكانتها كعاصمة لدولة المماليك، فقد احتفظت بمكانة خاصة فى الدولة العثمانية، حيث كانت تعد المدينة الثانية بعد إسطنبول، وكفل لها نشاطها التجارى والاقتصادى ومكانتها الثقافية تعويضًا جزئيًا عن اضمحلال مكانتها السياسية». ويتابع المؤلف رصده تاريخ التطور العمرانى لمدينة القاهرة، حيث يرى أن فترة أسرة محمد على هى «عصر التحولات»، ويلقى الضوء على مشروع إسماعيل لتحديث القاهرة ويصفه بأنه «حلم التغريب». ومن الإضافات المهمة للموسوعة إبراز دور الخديو عباس حلمى الثانى وعصره فى تطور مدينة القاهرة ونشأة أحياء جديدة، لا سيما جاردن سيتى ومصر الجديدة والمعادى.
كما يشير إلى عهد الملك فؤاد، ودوره فى تشييد المبانى العامة وأهمها: مبنى البرلمان ومبنى المحاكم المختلطة، الذى تحول بعد ذلك إلى دار القضاء العالى، ومبنى جامعة القاهرة الحالى. ويشير أيمن فؤاد سيد فى نهاية كتابه إلى ظاهرة مهمة، وهى غياب الوعى التاريخى والأثرى لسكان القاهرة التاريخية، ولذلك يدعو إلى: «ضرورة زيادة الوعى الأثرى لدى القاطنين بهذه الأماكن. فبعد العديد من الزيارات والجولات الميدانية بالقاهرة التاريخية لم أجد أى معلومة صحيحة عن هذه الآثار لدى المحيطين بها، سواء من السكان أو العاملين فى النشاطين التجارى والحرفى».