ما بين الطموح والجنوح
تذكرت وأنا أطالع هذه الكوكبة من الشباب الذين تم اختيارهم لشغل مناصب النواب للسادة المحافظين وهم يؤدون اليمين الدستورية أمام السيد رئيس الجمهورية ويتعهدون أمام سيادته بالعمل على رفعة شأن البلاد والنهوض بالوطن وتحقيق طموحات الشعب المصرى والعمل على تذليل صعوبات الحياة أمامه وتحقيق الأمن والرفاهية له- تذكرت هؤلاء الشباب الذين كنا نتابع سفرهم من البلاد فى غضون أعوام ٢٠٠٨-٢٠١٠ إلى دول صربيا وكرواتيا وقطر وتركيا للتدريب على إسقاط الدولة المصرية وبث روح الفوضى والاضطرابات بها من خلال المظاهرات ومداهمات المواقع الحيوية ومواجهة رجال حفظ النظام والأمن وتكسير الأرصفة واستخدام المواد الحارقة وذلك لإسقاط الدولة المصرية وتسليمها لمن يدفع أكثر من أعدائها.
قارنت بين طموح الشباب الواعدين الأصلاء وبين جنوح هؤلاء الشباب المغيبين والمضللين الذين يعيشون حاليًا هاربين من أحضان الوطن أو مختفين فى غيابات الظلام خوفًا من تلقى العقاب الذى يستحقونه نتيجة تلك المحاولات التى كادت تسقط الدولة المصرية بكاملها وليس إسقاط النظام فقط الذى كان يحكمها آنذاك.. كلاهما من الشباب الذين نشأوا فى مصر وتربوا على أرضها ونموا على خيراتها، ولكن شتان الفارق بين هؤلاء وأولئك.. شتان الفارق بين الطموح والأمل المشروع لرفعة شأن الوطن وما بين الجنوح والخضوع لأجندات خارجية لذرع الفتنة والإحباط ونشر الفوضى والخراب لهدم ذلك الوطن.
لقد وصلت نسبة الشباب فى المجتمع المصرى إلى ما يقارب ٦٠٪ منه، وبالتالى كان لا بد أن تكون لهم نسبة معتبرة تمثلهم فى المناصب والمواقع المختلفة، سواء التنفيذية أو التشريعية أو المحلية، وهذا ما وعد به السيد الرئيس فى العديد من لقاءاته معهم، وها هو اليوم ينفذ الوعد الذى قطعه على نفسه لتمكين هؤلاء الشباب وتأهيلهم فى إدارة شئون البلاد.
وها هى الفرصة قد أصبحت بين أيديهم وعليهم أن يثبتوا جدارتهم بثقة الرئيس، وأن يتحملوا مسئولياتهم كاملة أمام سيادته وأمام الشعب كله.. وأن يكون اختيار هذه الكوكبة منهم هو الخطوة الأولى لكل الشباب المصريين المثقفين والطموحين، سواء من داخل الأحزاب أو من خارجها لكى يتبوأوا المكانة التى يستحقونها لرفعة شأن البلاد والعمل على النهوض ورفاهية العباد.
إن إدارة الدولة ليست أمرًا هينًا، خاصة إذا كانت بحجم «مصر المستقبل»، وإنما هى مسئولية ثقيلة تحتاج من نواب المحافظين الشباب أن يعرفوا أن تلك الثقة هى تكليف وليس تشريفًا، وأننا جميعًا نترقب تلك التجربة من جميع جوانبها، ونتمنى لها النجاح ولكن أعتقد أيضًا أن العتاب والحساب سوف يكونان بنفس درجة هذا التمنى إذا لم يحققوا تلك الآمال المنعقدة عليهم.
عندما يصدر قرار جمهورى بتعيين ٢٣ من العناصر الشبابية الواعدة من بينهم ٧ من الوجوه النسائية المشرفة لشغل مناصب نواب لمحافظى الدولة المصرية فى سابقة لم تحدث من قبل فى تاريخ مصر الحديث والعمل على دمج هؤلاء الشباب فى العمل التنفيذى وجهود بناء الدولة.. فإننا يجب أن نقر بأنه قرار جرىء يعكس إرادة القيادة السياسية فى تهيئة المناخ الصحى لهم للاستعداد لقيادة زمام الدولة فى جميع مناحى الحياة بها..ولكننا يجب أيضًا أن نطالبهم بضرورة التعاون والتنسيق مع أهل الخبرة والمعرفة لتكوين مزيج من الفكر والتخطيط السليم مع التطبيق الفاعل النشط والديناميكية السريعة المدروسة، أكرر المدروسة، لتحقيق نتاج هذا الفكر وذلك التخطيط بالشكل الذى ينعكس إيجابيًا على النهوض بمستقبل البلاد وصالح العباد.
وبغض النظر عن المكتسبات الدراسية والثقافية، التى حصل عليها هؤلاء الشباب إبان دراساتهم الجامعية والأكاديمية، فإنهم سوف ينخرطون معًا فى مجال العمل العام الميدانى خاصة فى مجال المحليات، وهو المجال الذى تتشابه فيه مشكلاته فى جميع محافظات الدولة، مثل النظافة والصحة والطرق والتعليم والقرى الأكثر احتياجًا ومياه الشرب والصرف الصحى وإزالة الإشغالات والتعديات والتواصل مع المجتمع المدنى وتفعيل دور غرف إدارة الأزمات والطوارئ، خاصة مواجهة سوء الأحوال المناخية أو المشاكل العمالية أو أى أحداث طارئة أخرى، بحيث تكون هناك خطط ممنهجة لمواجهتها تتلاءم مع ظروف كل محافظة، وذلك لتلافى تكرار حدوثها أو التقليل من آثارها.
ومن خلال دراستنا وتدريسنا علوم الإدارة المحلية وتوجه الدولة فى القريب إلى تفعيل تطبيق نظام اللا مركزية المحلية فإن المرحلة المقبلة تستوجب ضرورة أن يكون هناك تعاون صادق وأمين بين السادة المحافظين ونوابهم، وأن توضع الخطط مشاركة بينهم بالشفافية المطلوبة، التى تحقق سرعة الإنجاز وتحقيق المستهدف، وأن تُستغل تلك الطاقة الايجابية للسادة النواب فى تحقيق الأهداف المطلوبة لكل محافظة، سواء فيما يتعلق باحتياجاتها أو فى تخفيف المعاناة عن مواطنيها من خلال تفعيل سياسة الباب المفتوح التى لم تكن مطبقة بالشكل الأمثل، نظرًا للمشاكل المتراكمة والأحداث اليومية التى يتصدى لها السادة المحافظون وتقيد حركاتهم.. وهنا أيضًا يجب أن أشيد بذكاء هذا الاختيار، حيث إن العديد من السادة النواب هم أبناء المحافظات التى تم تعيينهم فيها، وهو الأمر الذى يجعلهم على وعى ودراية بمعظم مشاكل محافظاتهم، وبالتالى سوف يكون تصديهم لمعالجة تلك المشاكل سريعًا ومباشرًا ومحققًا نتائج إيجابية ملموسة فى أقل وقت ممكن بإذن الله.
ولعل هذا يدفعنا أيضًا إلى ضرورة إعادة النظر فى اختيار قيادات المحليات من سكرتيرى عموم المحافظات ومساعديهم ورؤساء الأحياء والمدن والقرى وتدعيمهم بالعناصر الشبابية التى تسعى لتحقيق طفرات ملموسة فى ملف المحليات تؤهلهم للتصعيد لتولى مناصب قيادية وتنفيذية يستحقونها، بحيث لا يقتصر تعيين المحافظين ونوابهم على شرائح معينة من القيادات والكوادر الأكاديمية المختلفة دون النظر إلى هؤلاء الشباب الذين تمرسوا على إدارة المحليات، وشهد لهم الجميع بالشفافية والنزاهة وطهارة اليد وعفة اللسان.
وأخيرًا نشير إلى أن السادة نواب المحافظين من الشباب فى حاجة إلى مساحة زمنية عادلة وفرصة كافية قبل تقييم أعمالهم والحكم على أدائهم، بل إنهم أيضًا فى حاجة إلى دعم وتعاون أبناء ونواب الشعب المصرى معهم ومساندتهم حتى يتمكنوا من أداء أعمالهم على الوجه الأمثل، الذى سوف يترتب عليه بلا شك وجود جيل جديد يمكن الاعتماد عليه للنهوض بدولتنا المصرية الفتية بإذن الله.
وتحيا مصر...