الاختيار.. ما بين القدوة والالتزام
ما إن ترددت أقاويل باقتراب حدوث تغييرات أو تعديلات وزارية، التى صاحبتها بالفعل بعض الشواهد التى تؤكد ذلك مثل ترشيح الدكتورة غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى، لشغل منصب دولى معتبر بمنظمة الأمم المتحدة، وبالتالى خلو الوزارة وكذلك تسريب بعض الأخبار عن شخصيات مصرية لها ثقل فى مجالات مختلفة خاصة الاقتصادية، مثل الدكتور محمود محيى الدين نائب رئيس البنك الدولى، وتواجده حاليًا فى القاهرة واعتذاره عن عدم تجديد منصبه الدولى.. بالإضافة إلى خلو محافظات الإسماعيلية والبحر الأحمر من محافظيها، وكلها مؤشرات تشير إلى اقتراب هذا التعديل الذى أتوقع أن يغلب عليه الجانب الاقتصادى أكثر من الجوانب الأخرى فى الوزارة الجديدة، نظرًا لأن المرحلة القادمة سوف تشهد العمل على تعظيم العوائد من المشروعات العملاقة التى تمت خلال السنوات الخمس السابقة، وكذلك دراسة سبل تعزيز فرص الاستثمار بشكل أكثر سرعة وفاعلية، حتى يمكن تغطية نفقات تلك المشروعات وتحويلها إلى مكاسب مالية ونجاحات لوجيستية.
أقول إنه ما إن ترددت تلك التكهنات والأقاويل حتى راح الجميع يجتهد فى طرح العديد من الأسماء التى يراها- من وجهة نظره- مناسبة لتولى الحقائب الوزارية المختلفة.. وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعى بمئات الأسماء المرشحة بل وأيضًا المبررات التى حددوها لتلك الترشيحات. والواقع أننى هنا لن أتوقف عند طرح أسماء بعينها، لأن هناك الكثير من المعايير التى يراها متخذ القرار مبررًا حقيقيًا لتلك الاختيارات، مستندًا بطبيعة الحال إلى رؤية الأجهزة المعنية، وكذلك الإنجازات التى حققتها تلك الشخصيات فى المواقع التى شغلوها قبل ترشيحهم لأى منصب تنفيذى أعلى مما هم فيه.. ولكننى سوف أنظر إلى جانب آخر لا يتعلق بالناحية الأكاديمية أو بالخبرة الوظيفية.. وهو جانب «السمات والمقومات الشخصية».. وهنا أطرح تساؤلًا مهمًا، كثيرًا ما تعرضت له فى الندوات والمحاضرات التى ألقيها هنا وهناك، وهو: هل سوف يكون هذا المسئول الذى يتم اختياره قدوة للمرءوسين الذين سوف يعملون تحت قيادته؟.. إننا دائمًا نبحث عن القدوة، وذلك لنتمثّل بما يقوم به ونتأسى برؤيته وتوجهاته. فى الواقع إننا، ولفترة طويلة، كنا نفتقد وجود هذه القدوة حتى قامت ثورة يونيو ٢٠١٣، حيث ظهر الرئيس عبدالفتاح السيسى وتحمل المسئولية الكبيرة التى ألقاها عليه الشعب المصرى بكل طوائفه، وذلك فى ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، ولكنه راهن على هذا الشعب الذى رأى فيه القدوة والقيادة والقدرة على تحمل تلك المسئولية، حيث بدأ مشواره بالهدف العاجل وهو القضاء على الإرهاب وفلوله ووضع حياته فداء لوطنه كى ينعم أفراد هذا الوطن بالطمأنينة والأمان مرة أخرى، ثم راح يحمل مشاعل التطوير والنماء وسط أعاصير من التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية.. بل إنه لم يأبه بتلك النصائح التى كانت تعرض عليه- بحسن نية بطبيعة الحال- بأن يقوم بمعالجات سريعة وطفرات عاجلة، لكى يرضى جميع أطياف الشعب بزيادة مرتباتهم مثلًا أو زيادة الدعم الذى تقدمه الدولة للسلع الاستراتيجية، وذلك للسيطرة على الأسعار أو تخفيض قيمتها.. وبدأ فى ثبات ويقين رحلة البحث عن التنمية المستدامة والاستقرار الحقيقى حتى ولو أنه سوف يجنى ثماره آجلًا وليس عاجلًا. وفى سبيل تحقيق أمن وأمان الوطن والمواطن، سقط الكثير من شهداء القوات المسلحة والشرطة وأيضًا المدنيون، وكان من الممكن أن يهادن جماعات الشر أو يعقد معهم اتفاقًا غير معلن مثلما كان الوضع فى السابق مع جماعة الإخوان الإرهابية. وعلى الصعيد الإفريقى فها نحن نرى نتيجة رئاسة مصر لدول الاتحاد الإفريقى، وانعكاس ذلك على النهوض بالقارة الإفريقية على كل الأصعدة والمحافل الدولية خاصة مجالات الاستثمار والاقتصاد والطاقة.. وعربيًا فإن الاستقرار الذى تشهده الدولة المصرية حاليًا جعلها قِبلة للعديد من الدول العربية خاصة دول الخليج العربى والسودان وليبيا.. ودوليًا فإن تعاظم العلاقات المصرية مع كبريات الدول فى العالم جعلها محل ثقة لتلك الدول، ومركزًا مهمًا لصنع القرارات التى تتعلق بمصير ومستقبل المنطقة العربية بصفة خاصة والشرق الأوسط بصفة عامة.
نخلص من ذلك إلى أنه عندما تكون هناك قدوة صالحة تهدف إلى تحقيق الخير والرشاد، وتسعى إلى استتباب الأمن والسلام فى ربوع الوطن، فإنه من الواجب أن نتأسى بها حتى ولو لم يكن ذلك سوف يعود علينا بأى منفعة شخصية أو أهداف سياسية، وذلك من منطلق مساعدة القائد على تحقيق الأهداف التى يسعى إلى تحقيقها، والتى من خلالها سوف يتم التأكيد على روح الأمل والتطلع لمستقبل أفضل يشمل ربوع البلاد وجموع العباد.
وفى هذا الإطار فقد قمنا مؤخرًا بالعديد من الجولات الميدانية شملت الكثير من المحافظات والجامعات والمدارس، بالتنسيق مع الهيئة العامة للاستعلامات، حيث كنت حريصًا فى جميع تلك الجولات على تناول الإيجابيات التى حققتها الدولة المصرية، وعلى ضرورة الحفاظ على هويتنا الوطنية وتوجهاتنا القومية، وكذلك التأكيد على ضرورة خلق كوادر شبابية وطلابية صالحة فى حد ذاتها أن تكون هى ذاتها قدوة يحتذى بها.
ومن هذا المنطلق فإننى أتمنى أن يكون من ضمن معايير الاختيار لتولى مناصب تنفيذية قيادية أن يكون هذا الشخص قدوة للغير، ومثلًا يُحتذى به فى العطاء وإنكار الذات والتفانى فى العمل والشفافية فى القرارات.. كذلك أيضًا فإنه يجب أن يتلازم هذا المعيار مع معيار آخر، وهو الالتزام والانضباط والاقتناع بالدور الذى سوف يقوم به.. وبالتالى فإن وجود القائد والقدوة يجب أن يكون مقترنًا بالالتزام حتى يمكن لمرءوسيه الاقتناع به وتنفيذ توجيهاته.
إن خلق الكوادر القيادية مسئولية كبيرة تقع على عاتق مؤسسات الدولة، وذلك حتى يسهل للقيادة السياسية اختيار القائد أو القدوة المناسبة فى المكان المناسب لكى تتحقق الأهداف الحقيقية من وراء أى تغيير أو تعديل فى المواقع أو المناصب المختلفة خصوصًا التنفيذية والوزارية.. وبالتالى تحقيق آمال الدولة المصرية التى نعمل جميعًا تحت رايتها الخفاقة دائمًا بإذن الله.