انتخابات الاتحادات الطلابية
تمثل الانتخابات بصفة عامة، حالة من حالات الممارسة الديمقراطية أيًا ما كان القطاع أو الفئة المجتمعية التى تمارس هذا الاستحقاق وتلك الممارسات. بيد أن هناك قطاعات من الأهمية بمكان، بحيث تصبح متابعتها محل اهتمام واختياراتها محل احترام، خاصة إذا أُحسن هذا الاختيار ونتجت عنه تشكيلات تتصف بالفهم والموضوعية والوطنية والانتماء.
لعل انتخابات الاتحادات الطلابية من تلك الاستحقاقات والممارسات الديمقراطية التى تحظى بأهمية كبيرة، خاصة أنها تتم بين أوساط الطلبة الجامعيين وجميعهم من الشباب الذى يمثل النسبة الغالبة من نسيج المجتمع المصرى، بالإضافة إلى أن لديه الوعى والثقافة والفهم الذى يمكنه من أداء هذا الدور، وهو يعلم أن اختياره قيادات الاتحادات الطلابية سوف يكون له تأثير كبير فى العلاقة بين رؤساء وقيادات الجامعات والطلبة الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف ما بين جامعات حكومية وأهلية وخاصة، والعديد منهم يشاركون فى ندوات ومؤتمرات الشباب التى تتم تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية.
وبعيدًا عن زخم الأحداث والأزمات التى سببها هطول الأمطار بغزارة غير متوقعة على أنحاء القطر المصرى، شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، وأيضًا عن تلك الحوارات والمساجلات التى تثيرها أزمة بناء سد النهضة، والتصريحات التى تصدر من هنا وهناك، كذلك العدوان الغاشم التركى على الشمال السورى، ومن خلال اهتمامنا بالشباب المصرى الواعد، وجدنا أن وزارة التعليم العالى والبحث العلمى، قد أعلنت عن البدء فى إجراء انتخابات الاتحادات الطلابية فى الجامعات المصرية للعام الجامعى ٢٠١٩٢٠٢٠ اعتبارًا من يوم غدٍ الأربعاء الموافق ٣٠ من الشهر الحالى، على أن تبدأ يوم ٦ نوفمبر والإعادة فى ١١ نوفمبر. ثم تتم عقب ذلك انتخابات أمناء اللجان ومساعديهم، وفى ١٤ نوفمبر يتم انتخاب رئيس الاتحاد ونائبه.
كان هذا هو الإعلان الذى صدر من وزارة التعليم العالى، وهنا كان لا بد لنا أن نقف ونسترجع تاريخ الاتحادات الطلابية المتميزة، التى كانت تثرى العملية الطلابية وكيف كانت وسيلة من وسائل الترابط والتواصل بين قيادات ورؤساء الجامعات والسادة عمداء الكليات وطلاب وطالبات الجامعات المختلفة، وأيضًا كيف كانت تلك الاتحادات أحد الأصوات القوية التى تسعى لمساندة الطلبة والوقوف بجانبهم فى مشاكلهم بجميع أنواعها، وذلك لتحقيق الاستقرار والاطمئنان لدى طرفى المعادلة الجامعية ما بين الأساتذة والطلاب.
أما وأننا حاليًا نجد أن هناك أعدادًا معتبرة من الطلبة الذين اختلطت أفكارهم ببعض المعلومات المغلوطة المشوشة، بل إن البعض منهم قد انضم بالفعل إلى شباب جماعة الإخوان الإرهابية وتأثر بتوجهاتها ومعتقداتها، وهو ما ترتب عليه قيام بعضهم بتنفيذ عمليات انتحارية، كان آخرها ذلك الطالب الذى فجر نفسه بحزام ناسف كان يرتديه حال القبض عليه بمنطقة الدرب الأحمر، كذلك بعض الذين تأثروا بأفكار الجماعات التكفيرية، ومنهم ذلك الطالب الذى تسبب فى تفجير المعهد القومى للأورام وغيرها الكثير. كل هذا يجعلنا أمام موقف لا بد من التعامل معه باحترافية وأيضًا بأساليب تربوية وقواعد واضحة وصريحة من أهمها استبعاد كل من يثبت اعتناقه أى فكر متطرف أو عقيدة متشددة قد يؤثر بها على توجهات وانتماءات زملائه من طلبة الجامعات المختلفة. وهنا يجب أن نشير إلى تلك الأساليب التى تجيد جماعة الإخوان القيام بها، والتى تبدأ باستقبال الطلبة الجدد فى بداية العام الدراسى وتسهل إجراءات تعرفهم على كلياتهم وأماكنها وإمدادهم بالمطبوعات والملازم المختلفة الخاصة بالمواد الدراسية بأسعار زهيدة وأحيانًا مجانًا، ثم ضمهم إلى أنشطتها الاجتماعية من ندوات ورحلات، بل ومشاركتهم أيضًا فى تقديم المعونات والخدمات الإنسانية للأسر الفقيرة فى المحافظات التى تضم هؤلاء الطلبة. ولا شك أن ذلك يخلق نوعًا من الترابط والانسجام بين الطلبة الجدد وهؤلاء الطلبة القدامى الذين يدينون بالولاء لجماعة الإخوان الإرهابية، وبعض التنظيمات المناوئة الأخرى والتى تسعى إلى نشر البلبلة والتشكيك بين الأوساط الطلابية، وفى ذات الوقت تضمن أصواتهم فى انتخابات الاتحادات الطلابية حتى تتمكن من فرض سطوتها وسيطرتها على أكبر عدد ممكن من الطلبة وتبدأ فى ممارسة أنشطتها بصورة أكثر أريحية وتأثيرًا عليهم، حيث إن الخطوات السابق الإشارة إليها، كانت تتم بصورة غير معلنة أو واضحة إلى أن تحقق الفوز فى تلك الانتخابات.
ولقد سبق أن أشرنا من خلال جريدتنا الغراء «الدستور» إلى انتخابات النقابات العمالية، وحذرنا من تسلل بعض العناصر الإخوانية إلى تلك النقابات، حيث أمكن بالفعل كشف النوايا الخبيثة لهم ومحاولاتهم التغلغل فيها. وبتوفيق من الله تم انتخاب نقابات محايدة ووطنية بعيدة عن الدسائس والمؤامرات التى تسعى إلى نشر الفوضى بينهم، وتنتهز الفرص لإثارة الاضطرابات والقلاقل كلما سنحت الفرص لذلك. وها نحن اليوم نشير إلى انتخابات الاتحادات الطلابية، حيث نأمل أن يفوز بها صوت العقل والضمير الحر الذى يسعى إلى خير الطلبة ومصلحتهم بصفة عامة، دون البحث عن مصلحة فئة معينة دون الأخرى بعيدًا عن التعصب والتطرف والعنف.
فى ذات الوقت فإننا ندعو إلى حظر الدعاية الحزبية والدينية، وإلى حث الطلاب على المشاركة فى ذلك العرس الديمقراطى وزيادة الوعى الثقافى وغرس روح الانتماء لديهم من خلال عقد الندوات واللقاءات والحوارات المفتوحة، حتى يمكن كشف محاولات اندساس العناصر غير المرغوب فيها، التى وقعت تحت تأثير فكر الإخوان أو الجماعات المتطرفة، والتى تحاول الفوز بأى حصة من حصص الاتحادات الطلابية خاصة فى الجامعات التى تقع فى المحافظات المعروف عنها وجود كوادر إخوانية أو متشددة بها.
وأعتقد أن ذلك دور أصيل يجب أن يقوم به ويشرف عليه وكلاء الكليات المختلفة لشئون التعليم والطلبة وكذلك أساتذة الجامعات المعروفة عنهم خبرتهم فى معترك الحياة السياسية المعتدلة.
إننا نسعى إلى إيجاد شباب مصرى جامعى على درجة كبيرة من الوعى والثقافة السياسية، ويجيد ممارسة الحياة الديمقراطية بشفافية واحترام ليقود مسيرة النهضة المنشودة خلال تلك المرحلة من تاريخ وطننا المفدى.