السادات والتيار الإسلامى «1-2»
درج الكثيرون على توجيه اللوم إلى السادات على أساس أنه هو الذى أعاد الإسلام السياسى إلى الحياة مرة أخرى، فى إطار صراعه مع قوى اليسار، ويرى هؤلاء أن فكرة السادات كان ضرب اليسار باليمين، ليبقى هو، ويؤكد البعض على وجود صفقة سياسية بين السادات والإخوان على وجه الخصوص فى هذا الشأن، بينما ينفى التيار الإسلامى حدوث ذلك.
فى الحقيقة ربما يكون من السهل قبول قصة الصفقة، وأن السادات أخرج المارد من القمقم، ثم انقلب السحر على الساحر، وربما يكون فى كل ذلك جزءًا من الحقيقة، إذا كانت هناك حقيقة، ولكن ذلك الجانب ليس كل الصورة، فالأمر مركب وشديد التعقيد.
سنحاول فى أثناء لملمة تعقيدات هذا الشأن الاعتماد بصفة أساسية على مصدر أساسى لأحد الشهود فى هذا الشأن وهذه المرحلة وهو عبدالمنعم أبوالفتوح، ويعتبر أبوالفتوح أحد كبار مؤسسى الجماعة الإسلامية فى السبعينيات، وعرَّاب انضمام شباب الجماعة من الطلاب إلى جماعة الإخوان المسلمين بعد إعادة إحيائها فى عصر السادات، وخروج شيوخها من السجون، وهو أيضًا صاحب اللقاء الصدامى الشهير مع السادات فى عام ١٩٧٧، عند لقاء «السادات» زعماء الحركة الطلابية بعد أحداث يناير ١٩٧٧، من هنا تعتبر مذكرات أبوالفتوح دالة وكاشفة فى هذا الشأن.
ولد أبوالفتوح فى شهر أكتوبر عام ١٩١٥، ومثله مثل أبناء جيله تربى على الإعجاب بعبدالناصر «الزعيم الملهم»، لكن اللحظة الفارقة بين بعض أبناء هذا الجيل وعبدالناصر كانت هزيمة يونيو ٦٧، ولم يولد هذا الخروج مرة واحدة، وإنما على مراحل. ويذكر أبوالفتوح أنه شارك الناس فى مظاهرات رفض تنحى ناصر عن الحكم، والخوف من المجهول بعد تنحيه:
«رغم أننى كنت ممن خرجوا فى المظاهرات بعد النكسة وخطاب التنحى يطالبون الزعيم جمال عبدالناصر بالبقاء إلى حد أننى بكيت خوفًا من ذهابه، إلا أننى سرعان ما صرت غاضبًا منه حانقًا عليه بمجرد أن اكتشفت الوهم الكبير الذى كنا نعيش فيه».
هكذا سيبدأ الخروج الكبير لدى قطاعات كبيرة من هذا الجيل، بعض هؤلاء سيختار الخروج ولكن داخل النظام، بمعنى الإصلاح من الداخل، وهو ما ستعبر عنه مظاهرات الطلبة فى عام ١٩٦٨ احتجاجًا على محاكمات قادة الطيران ومسئوليتهم عن الهزيمة، وسيختار البعض الآخر الخروج على النظام، واختيار الطريق الآخر:
«بعد انهيار الحلم الناصرى فى نفوس الجماهير حلت حالة من عدم اليقين أو الثقة فى كل ما له صلة بالنظام، وبدأنا نفكر فى أن كل من كان ضد جمال عبدالناصر كان على صواب وعلى حق، وأعتقد أن هذه كانت البداية فى التعرف على الإخوان المسلمين».
هكذا يتبين لنا مدى تأثير هزيمة يونيو ٦٧ على هذا الجيل، البعض سيتجه للتشدد يسارًا، والبعض الآخر سيعيد إحياء اليمين. وستتردد مقولة أن اليهود هزمونا فى ٦٧ لأنهم يدافعون عن عقيدة دينية، بينما هُزمنا نحن لأننا ابتعدنا عن عقيدتنا. هكذا تم اختصار الهزيمة، بأبعادها المتعددة والمركبة، فى شكل بسيط وخادع فى نفس الوقت «العودة إلى الدين»، وعلى الجانب الآخر ستتشدد بعض قوى اليسار وترى أن الهزيمة جاءت نتيجة الإغراق فى الدين، وأنه من الضرورى تجاوز الدين للوصول إلى المستقبل.
وبات هذا الصراع واضحًا فى أروقة الجامعة. ويروى أبوالفتوح سنوات عنف الجماعة الإسلامية فى الجامعة، ومنعهم النشاط الفنى، كما يروى الصدام بين اليسار واليمين، وتمزيق الإسلاميين لمجلات الحائط:
«كانت مفاجأة لنا أن مجلات الحائط التى يعلقها اتحاد الطلاب تنتقد الإسلام وتخوض فيه بجرأة، ولم يكن يسلم من نقد بعضها بل سخريته أحاديث للرسول. وأذكر أننى حين كنت أقرأ هذه المجلات، وما فيها من سب للإسلام كنت أشعر بالحزن وأبكى، وكنت أتساءل هل هذه هى الجامعة المصرية؟».
هكذا حدث الانشطار الكبير فى صفوف الطلاب، هذا الانشطار الذى سيُحدث الصدام الكبير والمشاجرات العنيفة بين طلاب الجامعة آنذاك.
وهنا يمكن الربط بين هزيمة يونيو ٦٧، ووفاة عبدالناصر، والبدايات الأولى لعودة التيار الإسلامى، يقول أبوالفتوح:
«فى العام نفسه الذى مات فيه ناصر- ١٩٧٠- كان التحاقى بالجامعة، وأتذكر وقتها أنها كانت تخلو من أى نشاط إسلامى».
هكذا بدأت التحولات الجنينية فى رحم الهزيمة، ووفاة عبدالناصر المفاجئة وانهيار الحلم، لكن العمل على الأرض سيولد فى عصر السادات.