مسرحية المسيح يُصلب فى فلسطين.. القضية مانتهتش
ضمن ليالى الدورة الثانية عشرة للمهرجان القومى للمسرح المصرى عُرضت مسرحية «المسيح يصلب فى فلسطين» لفرقة الأصدقاء ومطرانية سمالوط، من تأليف نسيم مجلى وإخراج المخرج القدير إميل شوقى وذلك ضمن مسابقة مسرح المستقلين والهواة.
دعونى فى البداية أقدم كل التحية للمؤلف الكبير نسيم مجلى الذى قال لى إن هذه المسرحية كُتبت منذ ثلاثين عامًا. التقط مؤلفنا فكرة مهمة وقدمها لنا عبر أسلوب شيق وبسيط وعميق لقضية فكرية دسمة جعلها تصل للجمهور وتخترق وجدانه وفكره وذهنه، وتجعله منتبهًا طوال العرض المسرحى، وتنقله عبر الزمان والمكان منذ صلب السيد المسيح عليه السلام على يد اليهود فى فلسطين إلى وقتنا هذا الذى يتم فيه صلب وقتل وتدمير الخير والعدل والمحبة والسلام والمقدسات يوميًا على يد الصهاينة فى فلسطين، وبمساندة ودعم الرأسمالية المتوحشة المعسكرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
كل التحية لكل من أنتج وقدم هذا العمل وأخرجه إلى النور.. التحية لكل فريق العرض من مبدعين «فنانين وفنيين وإداريين».
تبدأ المسرحية من وثيقة التسامح الدينى التى أعلنها الفاتيكان عام ١٩٦٨، التى تعبر بقوة عن روح التسامح تجاه جميع الديانات، كما تؤكد أن يهود اليوم ليسوا مسئولين عن جريمة صلب المسيح، وقد رفضت الكنيسة القبطية هذا الإعلان، باعتباره محاولة لتحريف نصوص مقدسة من أجل خدمة أغراض إسرائيل التوسعية، ويؤكد ذلك النص المسرحى الذى تردد من خلاله أن إسرائيل تريد تبرئة نفسها من جرائم قديمة لتتفرغ لارتكاب جرائم جديدة ضد الإنسانية مستمرة حتى يومنا هذا.
تتناول المسرحية محاكمة للحاكم الرومانى على فلسطين فى ذلك الوقت «بيلاطس» وشيخ اليهود الذى حرض على صلب وقتل المسيح «قيافا» ومن خلال المحاكمة التى يحاول كل منهما أن يرمى بالتهمة على الآخر يتبين لنا أن المصلحة والشر والغطرسة تجمع بين القيصر الرومانى وشيوخ اليهود والخوف من تنامى شعبية ودعم ومؤازرة السيد المسيح عليه السلام والإيمان بتعاليمه بالدين الجديد والتفاف الفقراء والعبيد حوله لإعلاء المحبة والتسامح والسلام بين البشر.
جمع هذا العرض الرائع مشاهد سينمائية تؤكد المعنى، شاهدة على جرائم الصهاينة فى حق البشر والشجر والحجر، وموسيقى معبرة تصحبك لمواطن الألم والندم والإنكار والمراوغة والشجن والمقاومة، كل التحية لصاحب المادة الفيلمية والإعداد الموسيقى «وجدى راشد» الذى طاف بنا بين شوارع القدس العتيقة وبلدان فلسطينية «اللد والرملة والجليل وحيفا وغزة ويافا والمسجد الأقصى وقبة الصخرة» وكل هذه المشاهد بمصاحبة صوت المغنى الوطنى الرائع لطفى بوشناق «ولى وعد مع القدس أعز علىَّ من نفسى، هنا نبضى ثرى أرضى وموَّالى وإنشادى».
وفى نهاية المحاكمة يمزج المخرج بشكل رائع بين المادة الفيلمية والخاصة بالمجازر الصهيونية المستمرة حتى الآن، ومنها: «الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطينى ومساندة الصهيو مسيحى دونالد ترامب للصهاينة، وقراراته بأن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وطلبه ضم الجولان السورية للكيان الصهيونى حفاظًا على أمنه، هذا بجانب ضم أراضى الضفة الغربية المقامة عليها المستوطنات اليهودية، والعمل على تصفية القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين الفلسطينيين»، يمزج المخرج بين إرهاب الكيان الصهيونى بمعاونة العنصرى ترامب وبين جرائم داعش الإرهابية بالقتل والذبح والتدمير، وكل هذه الجرائم تُرتكب باسم الدين ليؤكد لنا أن الإرهاب لا دين ولا وطن له. ولكن الأمل فى استمرار مقاومة الشعوب والذى يتردد فى نهاية المسرحية على لسان أبطال العرض المسرحى ويردد معهم الجمهور وقوفًا ومصفقًا لهم «القضية مانتهتش واللى بيحصل ده لازم ينتهى».
كل التحية والتقدير للمخرج إميل شوقى الذى آمن بأن قوة العرض فى الكلمة والقضية التى يطرحها، فكان الإخراج الفنى البسيط الرائع والعميق فى الحركة والديكور المعبر مع موتيفات للملابس موحية ومعبرة عن العصر الذى تدور فيه الأحداث. لقد جعلنا المخرج نحن الجمهور أحد أركان العرض شاهدًا على هذه المحاكمة، مما أسهم فى توصيل الفكرة وشحذ الذهن والسمع والبصر، وهذا يسهم فى نقل العرض إلى العديد من الأماكن المفتوحة والقاعات.. فهل نأمل فى استمرار العرض الذى يقدم الفن والفكر والمتعة فى العديد من الأماكن.
كل التحية لأعضاء الفريق وعضواته «ماجد السيسى» إدارة مسرحية و«ناجح نعيم» المخرج المنفذ، الذى أدى دور يهوذا والتحية لمها صادق فى دور كلوديا زوجة الحاكم الرومانى.
التحية لصاحب الحضور الطاغى والحركة الرشيقة «أيمن أمير» فى دور القاضى وكان مشهد مواجهته للصحفية ماريانا، مندوبة الوكالة اليهودية، من أحسن مشاهد المسرحية، المواجهة بين الحق العربى والأكاذيب الصهيونية، التحية لـ«سارة سعد» التى ملأت المسرح حماسة وحيوية وأقنعتنا بأنها الصحفية الصهيونية ماريانا.
الشكر والتحية لـ«أشرف شكرى» فى دور المدعى، تميز الفنان أشرف بخفة ظله وحيويته وصوته الجهورى وغنائه الجميل. التحية للفنان الشاب «شادى أسعد» الذى قام بأداء دور بيلاطس، الحاكم الرومانى، قدم ثابتة على المسرح، صوت معبر، إحساس عالٍ، وكان فى قمة الأداء لمشهد ندم بيلاطس الذى يتعاطف مع تعاليم المسيح، ولكنه فى نفس الوقت يخشى على منصبه فهادن الظلم ولم يواجه غطرسة شيوخ اليهود والقيصر.
تحية إعزاز وتقدير للنجم «جميل عزيز» فى دور قيافا، استطاع، بأدائه المتمكن والمتنوع بكل سلاسة وطلاقة بين الفصحى والعامية والتلون والمراوغة وخفة الظل، أن يجعلنا نكره هؤلاء الصهاينة المراوغين الكاذبين المجرمين عبر التاريخ. ويا سادة وأنا أدعوكم لمشاهدة المسرحية أقول لكم وأردد معكم القضية مستمرة والمقاومة مستمرة ومن وسط الآلام تنطلق الآمال بتحقيق المحبة والخير والسلام والعدل والحق.