نعيم صبرى.. صافينى مرة
من هو «نعيم صبرى»؟ ربما لا يعرف الكثيرون، لا سيما من الأجيال الشابة، من هو نعيم صبرى؟ ومن المؤكد أن السبب الرئيسى وراء ذلك يكمن فى عزوف «نعيم» عن الأضواء والأجواء الصاخبة، وربما يُضاف إلى ذلك بُعده الشديد عن الشللية، ولا يُجيد نعيم صبرى مهارات صناعة النجم، بل هو لا يريد ذلك. وعلى الرغم من كون نعيم صبرى من المقربين للأديب العالمى نجيب محفوظ، إلا أنه لم يحاول الاستفادة من تلك العلاقة أو استثمارها بعد وفاة محفوظ، العيب الرئيسى فى «نعيم» هو التواضع، فى بيئة ثقافية لا تفهم ذلك.
«نعيم صبرى» روائى وشاعر مصرى تخرج فى كلية الهندسة عام ١٩٦٨، وتفرغ للأدب منذ عام ١٩٩٥، بدأ «نعيم» نشاطه الأدبى بكتابة الشعر، وأصدر فى عام ١٩٨٨ ديوانى «يوميات طابع بريد عام»، و«تأملات فى الأحوال». ولـ«نعيم» محاولات مسرحية مهمة لا سيما فى المسرح الشعرى، مثل مسرحية «بئر التوتة» وأيضًا مسرحية «الزعيم»، كما كتب «نعيم» العديد من الروايات مثل «يوميات طفل قديم»، وهى أقرب إلى سيرة حياة طفولته، كما كتب الرواية المهمة «شبرا» ليرصد تحولات الحى والوطن فى النصف الثانى من القرن العشرين، كما كتب أيضًا العديد من الروايات مثل «أمواج الخريف» و«المهرج» و«تظل تحلم إيزيس» و«دوامات الحنين».
وفى العام الماضى أصدر نعيم صبرى روايته الأخيرة «صافينى مرة»، وهى أقرب إلى ما أسميه الرواية الوثائقية، إذ يدرك نعيم صبرى أنه لم يعد يكتب لجيله وإنما لأجيال جديدة ربما لا تعرف شيئًا عن مصر التى عرفها، من هنا يلجأ «نعيم» إلى تزويد روايته بصور توضيحية عن الطربوش ووابور الجاز، ويُسهِب فى شرح عادات وتقاليد ربما لا يعرفها جيل الشباب. من هنا أهمية مثل هذا النوع الذى أسميه الرواية الوثائقية، والذى ربما لا يُعجب بعض النقاد من الناحية الدرامية.
يقدم «نعيم» فى روايته الجديدة مادة ثرية للمؤرخ تساعده كثيرًا فى استعادة حوادث الماضى وتفسيره وتحليله، يختار نعيم صبرى بذكاء عنوان «صافينى مرة» عنوانًا لروايته، وهو فى الأساس اسم لأحد أشهر أغانى العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ مطرب جيل نعيم صبرى كما يشهد هو، لكن العنوان أيضًا يحمل فى طياته إسقاطًا على علاقة بطل الرواية، أو نعيم نفسه، مع بطل عصره «جمال عبدالناصر».
تقول كلمات الأغنية: «صافينى مرة وجافينى مرة»، من هنا يُراجِع بطل الرواية، أو ربما نعيم، طيلة الرواية علاقته بـ«عبدالناصر» وحلم جيله. تبدأ علاقة نعيم صبرى بـ«عبدالناصر» بحالة من الصفاء والإعجاب:
«بداية الوعى الوطنى قد ظهرت عند جيلنا مع حرب ٥٦.. نما هذا الشعور بإطراد مع عبدالناصر وأغنيات عبدالحليم حافظ.. ومع قوانين يوليو الاشتراكية».
لكن هذه العلاقة الحميمة شبه الأبوية تدخل مرحلة الجفاء مع هزيمة يونيو ٦٧: «كيف يتركه عبدالناصر قائدًا للجيش- المشير عامر- فى ظل كل ما يتردد عنه؟ هل من أجل الصداقة بينهما؟ هل يجامله على حساب البلد؟ ما هذا السفه؟ البلد يضيع يا رب استر».
لكن نعيم صبرى فى نهاية الرواية يعود مرة أخرى إلى مرحلة «صافينى مرة»، مع وفاة عبدالناصر والجنازة الدرامية له:
«ياه مرحلة عاصفة من تاريخ مصر الحديث تصل إلى خط النهاية. كان حزنًا عميقًا لكل الناس تقريبًا المؤيِّد والمُعارِض، كأنه رمز لمرحلة عزيزة فى حياة من عاشوها، رمز للعزة والكرامة والتحدى والبناء».