تونس والإخوان
فى الوقت الذى نجحت فيه الأجهزة الأمنية، يساندها فى ذلك بعض وسائل الإعلام الوطنية المخلصة، ووعى الشعب المصرى، فى تقويض حركة الإخوان الإرهابية- بدأ العديد من الدول يقلل من اهتمامه بالعناصر الإخوانية الهاربين إليه مثل ماليزيا وألمانيا، بل ويقوم بالقبض عليهم وترحيلهم إلى البلاد كما حدث فى الكويت، وذلك فى أعقاب زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى قوبلت باهتمام وترحاب كبير من قبل قيادات الدولة، وكذلك من الشعب الكويتى حيث كشف سيادته لهم عن أن هناك مخططًا كبيرًا كانت الجماعة تعتزم تنفيذه هناك لإحداث انقلاب على الحكم بدعم من دويلة قطر وتركيا.
كما نجح السودان فى ضرب المخطط الإخوانى الذى كان يسعى إلى المشاركة فى الحكم هناك بعد إسقاط الرئيس السابق عمر البشير، محاولين الاستتار تحت شعار «مشاركة لا مغالبة»، وهو ما رفضه الشعب السودانى الواعى وكشف مخططهم ورفض مشاركتهم فى مجلس السيادة وأيضًا فى التشكيل الوزارى الجديد.
أما فى ليبيا فها هو الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر يحقق الانتصار تلو الآخر على العناصر الإرهابية والتكفيرية التى تدعمها جماعة الإخوان وكل من قطر وتركيا، حيث ظهرت للعالم كله تلك الأطماع التى تريد تلك الجماعة وهاتان الدولتان تحقيقها من خلال السيطرة على الدولة الليبية وثرواتها المختلفة.
بل إن هناك بعض الدول الأوروبية بدأت تنادى باعتبار تلك الجماعة تندرج ضمن الجماعات الإرهابية التى تدعم تنظيم داعش الإرهابى.
كل هذا جعل جماعة الإخوان وحزبها السياسى الذى يمثلها فى تونس، وهو حزب النهضة، يبذل محاولات مستميتة لتعزيز وتدعيم وجودها على الساحة التونسية من خلال الدفع بمرشح من تلك الحركة، وهو الإخوانى عبدالفتاح مورو، نائب رئيس حزب النهضة، الذى يرأسه الإخوانى المتشدد راشد الغنوشى فى انتخابات الرئاسة التونسية التى سوف تتم يوم ١٥ سبتمبر الحالى فى ١٦ ولاية تونسية تضم ٧ ملايين ناخب، حيث يتنافس على منصب الرئاسة ٢٥ مرشحًا بخلاف مرشح الجماعة المذكور.
وقد رصدت المتابعة سفر راشد الغنوشى مؤخرًا إلى قطر، حيث تلقى دعمًا ماليًا كبيرًا للمرشح الإخوانى، وكذلك دعمًا إعلاميًا من خلال قناة الجزيرة مباشر الموجهة إلى تونس. وعلى الرغم من هبوط أسهم الجماعة، فإن هناك ما يشير إلى احتمالية تخطى مرشحها المرحلة الأولى من تلك الانتخابات مستفيدة فى ذلك من كثرة عدد المرشحين، وبالتالى تفتيت أصوات الناخبين علاوة على انقسام قوى اليسار التونسى. وقد بدأت الجماعة فى اتباع نفس الأساليب التى انتهجتها إبان الانتخابات الرئاسية فى مصر، حيث مارست كل أساليب الترهيب والترغيب والضغط والتزوير، لكى يفوز مرشحها بالرئاسة، بل إن الجماعة فى تونس قامت بممارسات أكثر شراسة لكى تثبت وجودها خلال تلك المنافسات عندما قامت بالاعتداء على بعض المرشحين وحرق منازل البعض الآخر، وهو ما حدث للمرشحة ليلى همامى، التى تساندها بقوة قائمة كبيرة من المستقلين، الأمر الذى جعلها تصف الأجواء الانتخابية هناك بأنها كارثية.
بل إنهم عمدوا أيضًا إلى عقد صفقات مع بعض المرشحين الذين طلبوا دعم الجماعة، ومن بينهم الرئيس الأسبق المنصف المرزوقى الذى كان يأتمر بأمرهم خلال الفترة التى استلم فيها حكم البلاد، والتى قام خلالها بالتواطؤ مع الجماعات المسلحة والعناصر المتطرفة المرتبطة بتنظيم أنصار الشريعة الإرهابى، وكذلك نشطت فى عهده شبكات تسفير الشباب التونسى للانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابى، وانحاز تمامًا لجماعة الإخوان الإرهابية، وقام بمهاجمة بعض الدول العربية ما عدا قطر، وتوترت علاقته بدول الجوار سواء الجزائر أو المغرب.
ولعل من أبرز المرشحين ضد الكوادر التى تدعمها الجماعة كل من مهدى جمعة، رئيس حزب البديل، وعبير موسى، رئيسة الحزب الدستورى الحر، اللذين تعهدا بأنهما، فى حال فوز أى منهما، سوف يقومان باجتثاث الإسلام السياسى، وإعادة نشطاء حزب النهضة إلى السجون. ويعتبر هذا أيضًا هو نفس توجه المرشحين الآخرين المعتدلين فى تلك الانتخابات. ولكن هؤلاء جميعًا يخشون من تزوير النتائج لصالح المرشحين المدعومين من الجماعة، خاصة أن نتائج انتخابات البلديات الأخيرة كشفت عن تراجع كبير فى حجم مناصرى جماعة الإخوان، وهو الأمر الذى جعلها تزداد شراسة لتحقيق أى نجاح فى تلك الانتخابات، لأن الفشل يعنى إقصاء الحركة وحزبها من الحياة السياسية نهائيًا مثلما حدث فى الدولة المصرية تحديدًا، بالإضافة إلى المتغيرات التى طرأت على موقف معظم الدول العربية والدولية فى التعامل مع ملف الإخوان بنفس الاهتمام الذى كان عليه فى السابق، بعد التأكد من زيف ادعاءاتهم وعدم ولائهم إلا لأنفسهم وجماعتهم فقط.
ومن هنا يكون الرهان قد استقر على وعى الشعب التونسى الشقيق الذى يتميز بالنضج والفهم فى مدى خطورة أن تتولى تلك الجماعة حكم البلاد، وذلك على ضوء تلك التجربة الفاشلة لهم فى مصر، حيث خرج الشعب المصرى كله لإسقاط هذا النظام الفاشى، علاوة على عدم استعداد العديد من دول العالم وأيضًا دول الجوار خاصة ليبيا والمغرب والجزائر للتعاون مع نظام الحكم، إذ استولت عليه عصابة الإخوان الإرهابية فى تونس، ومن هذا المنطلق فإننا نهيب بالأشقاء فى تونس ضرورة إسقاط تلك المحاولات حفاظًا على عروبة واستقرار الشعب التونسى الشقيق من خلال اختيار القيادة المعتدلة لرئاسة الدولة التونسية، خاصة خلال هذه المرحلة المهمة التى يمر بها الوطن العربى.