النساء بين التمرد السهل والتمرد الصعب
قليلة هى الأعمال الفنية التى تبنى قيمًا جديدة للعلاقات بين البشر، تكون أكثر إنسانية وعدلًا، وبالتالى تخلق حضارة مغايرة يمكنها إسعاد الإنسان وتحريره والارتقاء به. هذا بالطبع دون أن تخل بشرط تحقيق المتعة والبهجة، وهذا أمر تشترك فيه كل بلاد العالم، مما يوضح كم هو صعب جدًا أن يتورط مثلًا فيلم فى إقناع البشر بأن حياتهم كاذبة.. مزيفة.. عنصرية وقبيحة، وأن عليهم فعل شىء ما لتغييرها، ورغم ذلك يستمتعون بالفيلم على مدى ساعتين، بل وربما يشاهدونه أكثر من مرة.
«الثورة» مع «المتعة» هذا هو التحدى أو السهل الممتنع فى أى عمل فنى، إن «المتعة» فى العمل الفنى، متعة تحرض على التفكير فى آفاق جديدة وعلى إعادة طرح الأسئلة وعلى غربلة العواطف، تمامًا مثل أشعة الشمس فى الخريف التى تتسلل إلى الجلد فى هدوء وسلاسة ونعومة.
وكل هذا لا بد أن ينبع من قيم الجمال والاستمتاع والسرور وإلا أصبح العمل الفنى غير فنى وقبيحًا ومنفرًا وفاشلًا، يُقال إن افتقاد العمل الفنى المتعة والجمال والنعومة يجعله «مباشرًا»، مثل الخطب السياسية والأغانى الوطنية الحماسية.
لكننى أرى أن الخطب السياسية والأغانى الوطنية الحماسية حتى تكون مؤثرة لا بد أن تكون مثل العمل الفنى، ممتعة، وجميلة، وهادئة، وسلسة، وغير مباشرة، وهنا أتذكر مقولة جبران خليل جبران، نبى الجمال: «افعل أى شىء.. طالما تفعله بجمال».
أتخيل لو مثلًا، منذ ثلاثينيات القرن الماضى كنا نشاهد أفلامًا سينمائية تقدم لنا التحدى الأكبر والسهل الممتنع أى «الثورة» مع «المتعة»، لكان لدينا تيار جماهيرى واسع وأجيال متتالية ورأى عام شعبى مستنير يقف إلى جانب الحرية والعدالة والجمال، وكنا خطونا خطوات واسعة على طريق التقدم، لكن بكل أسف هذا لم يتحقق.
ودعونى أضرب مثلًا واحدًا بقيمة الشرف فى مجتمعاتنا، كل الأفلام العربية كلها دون استثناء اعتبرت أن شرف الزوج أو شرف الأب أو شرف كبير العائلة، «الذكر»، لا يُقاس بسلوكياته وأخلاقه هو شخصيًا، ولكن بفقد الأنثى عذريتها قبل الزواج، وهو الأمر الذى يستوجب قتلها سترًا «للعرض» الذى تمت استباحته واستعادة الشرف الذى «تمرمغ» فى الطين، ويزيد على هذا المفهوم المتدنى لمعنى الشرف للإنسان، سواء كان رجلًا أو امرأة، أن الذكر الذى استغل حب وثقة الفتاة الضحية يذهب حرًا دون عقاب دون أى «نبذ» اجتماعى أو قانونى أو أخلاقى.
وحتى فيلم واحد يصور امرأة لا تطيع الأخلاق الذكورية على سلطة الأب أو سلطة الزوج وتكون نهايتها حياة هادئة، سعيدة، ناجحة.
والسؤال، لماذا يكون التصدى للتفرقة بين الفقراء والأثرياء «أسهل»، من التصدى للتفرقة بين النساء والرجال؟، لماذا تحظى «الفقيرة» بمنْ يتعاطف معها ضد «الفقر»، أو ضد سلطة المحتل الأجنبى ولا تحظى بأى تعاطف حين ترفض سلطة ذكور الأسرة والعائلة؟
والاجابة هى، أن هناك فارقًا جوهريًا شاسعًا بين «نجوم السينما» و«نجوم الحضارة»، فارقًا كبيرًا بين «موهبة فطرية و«جهد واع»، لتلعب الموهبة دورًا فى تغيير الحياة إلى الأفضل. هذه هى «محنة وأزمة ومأساة الفن فى مجتمعاتنا» وربما فى العالم كله.. المواهب كثيرة متعددة لكنها لا تحمل رؤية ثورية للتغيير والتقدم، هى تكتفى بتقديم التسلية واستهلاك الوقت.
من بستان قصائدى
أين يذهب الفرح.. عندما أحتاج إليه؟
أين تختفى الكلمات.. حينما أشتاق إليها؟
أين يختبئ الصمت.. حينما أحلم بصحبته؟
أريد أن أبكى.. مَنْ سرق عيونى؟
أريد أن أنام.. مَنْ يحتل سريرى؟
أين كل الأشياء؟.. أين دفء شجونى؟