تألق يكن فؤاد السنهوري وغياب أحمد حلمي
حقق فيلم خيال مأتة أرباحا تخطت السبع ملايين في أول ليلة عرض، أي أنه تخطى فيلم الفيلم الأزرق ووصل إلى الدور الثاني بعد فيلم أولاد رزق، نعلم جميعا أن سر اصطفاف جمهور أحمد حلمي أمام شباك التذاكر لمتابعة خطط نجمهم المعشوق، ليأتي فيلمه الجديد بعد غياب ثلاث سنوات منذ عرض آخر أفلامه "لف ودوران" أمام دنيا سمير غانم وإخراج خالد مرعي الذى أخرج أحدث أفلام حلمي خيال مآتة.
يدور فيلم خيال مآتة في ستينيات القرن الماضي وبالتحديد في عام 1968، يخطط الشاب يكن فؤاد وصديقه خليل لسرقة "بروش" سيدة الغناء العربي أم كلثوم في أثناء زحام الحفلة، اعتاد الشابان على سرقة الأشياء الثمينة والأثرية، خاصة بعد انضمامهما إلى عصابة متخصصة في هذه النوعية من السرقات، يطلقون على رابطتهم اسم "الكيان" فيقدم أحمد حلمي شخصيتين متناقضتين ولكن يتفقان في الملامح نفسها، "يكن" عضو عصابة الكيان السبعيني البخيل، وزيزو الشاب الذي يمتلك متجرا لإكسسوارات الهواتف والإلكترونيات، وتدور الأحداث حول صراع درامي "لايت" بين الأجيال ووجهات نظرهم في تعريف الفضائل والخطايا.
تميز الفيلم بأداء أحمد حلمي الرائع في دور العجوز "يكن فؤاد السنهوري" حيث أتقن حلمي تقليد أصوات العجزة وحركاتهم وطريقة السير والجلوس والاتكاء على العصا وعلى أكتاف من حوله وبدون أدني مبالغة في الأداء، بدون استخدام أجهزة تغيير الأصوات، وبذلك نجح بشكل كبير في إقناع المشاهدين بتقدمه في العمر خلال غيابه عن الشاشة الثلاث سنوات الماضية.
أما عن أداء أحمد حلمي لدور زيزو الذي يقدم من خلاله واحدا من أدواره المعتادة، الشاب الظريف والذكي الذي ينتزع الضحكات عن طيب خاطر، فلم يتقنها هذه المرة كما ظهر في أدوار مصري في فيلم عسل أسود أو واحد من التوءم الثلاثة في فيلم كدا رضا وبلبل في فيلم بلبل حيران أو زكي في فيلم زكي شان أكثر من إتقانه للعب دور العجوز "يكن" الذى بدا عالميا وأقرب لوودي آلان شكلا وتفصيلا. وبالرغم من تقديم حلمي لأدوار شخصيتين وثلاث من قبل مثل فيلم كدا رضا، إلا أنه استطاع إتقان أداء الشخصيات الثلاث على المستوي نفسه، غير أنه في فيلم خيال مآتة اختلف الوضع ليبدو أن شخصية يكن السنهوري امتصت طاقة أحمد حلمي التمثيلية ولم تترك سوى الفتات لشخصيته الأخري "زيزو" حيث دفعت شخصية "يكن" المشاهدين على تجاهل عناصر الفيلم المهمة من قصة الفيلم العادية والحوار الذى يحتاج إلى كاتب خفيف الدم يشارك عبدالرحيم كمال في كتابة السيناريو والحوار، إذ يبدو الممثلون مكتوفي الأيدي ولا يستطيعون إطلاق الإفيهات والنكات، فيخلو الفيلم من جملة حوار مضحكة أو إفيه يعلق في ذهن المشاهدين مثلما اعتاد من أفلام أحمد حلمي، حتى مع اشتراك مجموعة كبيرة من الكوميديانات المشهورين في الفيلم، إلا أنهم بدون تأثير فعلي خاصة ذلك القصور الذى جعل من بيومي فؤاد - مزلاوي ممثل ثانوي لم تصدر عنه النكات والجمل الفكاهية، وغيره من الكوميديانات مثل محمود الليثي وانتصار وسامي مغاوري ولطفي لبيب وحسن حسني.
وفي هذا الشأن الذى نستعرض فيه المشاركة الكبيرة لنجوم لم تتم الاستفادة من طاقاتهم مثل إنعام سالوسة ورشوان توفيق وعبدالرحمن أبوزهرة، إذ نواجه الاختلاف بين اختيارات هوليوود لمشاركة كبار النجوم واستضافتهم في الأعمال السينمائية بأدوار صغيرة وبين عمل سينمائي مصري يفتقر إلى استغلال نجوم قديرين وتوظيفهم في مشاهد وحوار يليق بمكانتهم حتي مع الوقت المحدود لظهورهم الذى من المنتظر تقديمهم لأدوار تسهم في التطوير والإضافة إلى الحبكة المرسومة من قبل.
يعد خيال مآتة المشاركة الثالثة لمنة شلبي مع أحمد حلمي بعد أفلام آسف على الإزعاج وكده رضا وإكس لارج، إلى جانب الأعمال الإذاعية الناجحة، لعبت منة شلبي دور "آسيا" الذى لم تضف له بصمتها الخاصة، بل بدا دور لفتاة عادية تستطيع أخريات أداءه بالشكل المطلوب وعلى أكمل وجه كما هو مكتوب في السيناريو وبدون اجتهاد يذكر.
لا بد من ذكر دور حسن حسني في دور خليل شريك "يكن" في سرقة بروش أم كلثوم والذى كان من المفترض أن يقال عنه دور مهم وفعال كمُحرك لتغير الأحداث واتخاذها مسارا مغايرا، إلا أن دور حسني جاء باهتا وغير مؤثر، حيث فقد الدور ملامحه وسط التفاصيل الصغيرة والمملة والمطولة في أحداث الفيلم.
من الصعب التركيز على عنصر سينمائي واحد بعينه دون نظرائه من العناصر المهمة الأخرى والتعامل معه بمعزل عنهم لكن موسيقى الفيلم لخالد داغر جاءت متناسقة وممتعة بشكل احترافي تجذب المتلقي للإنصات إليها والتركيز في طبقات النغمات المتغيرة، بالإضافة إلى كونها متسقة مع المشاهد في اختلاف إيقاع الأحداث بين مشاهد السرعة والمغامرة وأخرى من الرومانسية ومشاهد الذكريات، أجاد داغر التفرقة بين أحداث الفيلم ومشاعر الأبطال واختيار الموسيقى المناسبة لكل حالة منها.
خيال مآتة فيلم ذو طابع مختلف ويحمل سمات مختلفة لممثل ذكي ومختلف قد تم حصره في خانة الأعمال الكوميدية فيتأهب الجميع لاستقبال عمل كوميدي جديد يصيب المشاهدين بهستيريا من الضحك عند كل ظهور للبطل، ولخيبة آمالهم جاء الفيلم بشكل جدي خفيفا ومختلفا عن المعتاد وسط عقليات ترفض الاختلاف.