دفعة القاهرة.. كنا هنا يوما
أمي، هذه ورقة أرسلتها المدرسة لك، عمي لا بد أن تقرأ رسالة المدرسة وترد بالرفض أو الموافقة، لا بد أن اقتنص الفرصة وادفع عائلتي للموافقة.
تبدأ حكاية الدفعة الطموحة بخطاب مرسل إلى عائلات الطالبات المتفوقات تحمل نبأ البعثة الدراسية، بجامعة القاهرة بعد اختيارها من بين جامعة لندن وجامعة بيروت. حدث ذلك في خمسينات القرن الماضي حيث تمتعت الجامعات المصرية بالأفضلية بين جامعات العالم كما أنها حلم كل طالب علم عربي في الشرق الأوسط، فهكذا هرعت كل منهن تحمل رسالة المدرسة كالوسام على صدرها لا تطيقن صبرا على أخبار ذويهن عن القلادة التي سوف تحصل عليها حتى وافق موافق واعترض الآخر ومن ثم رحلن عن وطنهن الكويت وفي الطريق إلى الحصول على الشهادة الجامعية.
العمل الدرامي الجديد للكاتبة الكويتية هبة مشاري حمادة والمخرج البحريني علي العلي الذى يحمل عنوان "دفعة القاهرة" والذي يدور حول حيوات طالبات وطلبة من الكويت راغبي العلم ومن خلال لقاءهم فى القاهرة تدورالكثير من الحكايات عن الحب والغيرة والسعي إلى تحقيق الذات واكتشاف النفوس المريضة والأخرى السوية، فإنهم مجموعة من الشباب والفتيات مختلفي الطبقات الاجتماعية لكن يجمعهم رغبتهم في التخلص من صفة البداوة وإلحاق أسمائهم بلقب تعليمي مميز بعد أن تخلت النساء منهن عن عباءتها السوداء لكي لا تسخر منها النساء المصريات مما يدل على تغير الزمن والشخصيات الشاهدة عليه.
نجح السيناريو في رسم الشخصيات بشكل محكم وجذاب، احتوى العمل الدرامي على عدة شخصيات مختلفة ومتفاوتة في إدراكها للحياة الجديدة التي انتقلوا اليها فبمجرد وصول الفتيات إلى القاهرة يتزامن مع وفد من الشباب طلبة العلم إذ يلتقي كل منهم بنصفه الآخر وتتوالى الأحداث الشيقة من حب وخيانة وظلم وسياسة وأشياء أخرى لم تكن على خاطر أفراد دفعة القاهرة مثل وفاة صديقتهم في حادث سيارة لتنتحل تؤامتها شخصية الأـخت المتوفاة أو طلاق يوسف لزوجته لطيفة قبل أن تضع مولودها ويقرر الزواج من دلال التي أتيحت له الفرصة ان يقابلها مجددا بعد ان الرفض المتكرر لزواجهما من جانب عائلتها، او ان يتزوج الطالب الكفيف الثري من "نزهة " ابنة الخادمة الفقيرة والتي اصرت علي بعث ابنتها للقاهرة، وزواج ناصر الطالب المجتهد من نادية الممثلة المشهورة التي ازعجته شهرتها فيقرر ان يدرس مايريد بتغيير دراسته من دراسة اللغة العربية الى معهد الموسيقي.
هكذا تسير الاحداث على خط درامي موحد ومرتب طبقا لتزامن الأحداث المتتالية، وسط أجواء تعبق بأصالة مصر الخمسينات فقد حافظ العمل الدرامي على اكواد مهمة مثل الملابس والديكور والاضاءة الخافتة واللغة المهذبة التي اعتادها المصريين ان ذاك والتي نجح "العلي" في ابرازها وتسليط الاضواء عليها ليشعر اباءنا بالحنين الى زمنهم الذى مر ولم يعد، تمثلا في خلفية موسيقية لاصوات اغنيات عبد الحليم حافظ واصوات الشارع التي تخلو من الصخب بل تعتمد على الواقعيةوالحوار الهادى الى جانب نجاحه في توجيهات الاداء للممثلين الذين ادوا ادوارهم ببراعة. تصنع هبة مشاري هذه المرة عزف درامي بالة الهارمونيكا، سلاسة درامية وبساطة في الحوار المستخدم باللهجة الكويتية المميثزة بمصطلحات شاعرية مؤثرة والتي ىاختلطت فيما بعد ببعض الالفاظ بالعاميةالمصرية وذلك لظهور ممثلات وممثلين مصريين في العمل الدرامي، اذا تغاضينا عن المغالطات التاريخية الفجة التي وقعت فيها الكاتبة عن عدم معرفة كما حدثفي عملها السابق "ثرايا عابدين" من ظهور جهاز التلفزيون لذي ابهر الفتيات بمجرد رؤية النجوم على شاشته بالصوت والصورة بعد ان اعتادن التعرف علي اخبارهم من خلال الصحف والمجلات او اخطاء اخرى في تحديد تاريخ اول بعثة كويتية جاءت الى القاهرة فالاختلاف على انها بين عامي 1951 وعام 1956، بالاضافة الى تورط احد الشباب في تهمة التأمر على نظام الحكم باسناد تهم انتسابه للاحزاب الشيوعية المعارضة وبذلك نستطيع تبني افكار اقتباس المسلسل من رواية "شقة الحرية" للكاتب غازي القصيبي التي تدور حول التيمة المشهورة لمجموعة مغتربين وافدين من البلاد الجافة الى اخرى حرة ومتحضرة واتجاة ساكني الشقة الى الحب والسياسة وتهميش الغرض الاساسي للرحلة وهو الحصول على اعلى الدرجات العلمية.
ربما يجلس بعض المشاهدين لمسلسل دفعة القاهرة من المصريين الذين يشعرون بالحنين لمصر الخمسينات كما يشعر طلبةوطالبات اولى دفعات البعثات الدراسية الكويتية والذين بلغوا من العمر مافوق الثمانين عاما جنبا الى جنب في شعور واحد، انه كنا هنا يوما وكل يبكي على ليلاه.